كأس اسبانيا فرحة .. مع قليل من شماتة!!
صنارة نيوز - 15/07/2024 - 3:01 pm / الكاتب - أحمد سلامةلم يحدث أن أوليت اهتماما بكرة القدم طوال حياتي قبل عام ١٩٨٦م، ولقد بقيت محشورا بين اتقاني بتميز للعبة طاولة التنس، وكرة السلة.. ولم يك في طفولتنا ذلك الصيت الذائع للعبة كرة القدم في بلدتنا على الاقل..
أمس وجدت نفسي اجلس ملبيا دعوة كريمة من الابناء والحفيد الضالع في لعبة كرة القدم بمطعم شبابي يبعد عن مسكننا ما لا يزيد عن مئتي متر او اقل!!.. وربما كانت طاولتنا الوحيدة التي تضم ثلاثة اجيال من ذات الاسرة!!
كان الحضور كلهم شباب (صلاة الزين) يشرحون القلب ويرفعون المعنويات (انيقون وانيقات، فرحون وفرحات، مقبلون ومقبلات على الحياة) بتناغم يثير المباهاة بهذا الركن من الوطن العربي المدجج بالازمات.. ونحن نقول اللهم يا رب احم هذا البلد واجعله دوما كما هو امنا مطمئنا!!
اغلب من في الفناء كان مع اسبانيا مع استثناءات محدودة منها احد الابناء الذي اصطف بضراوة من خلف الفريق الانجليزي وذلك انه خريج تلك الديار!!
لا بد ان اعود الى ثمانينيات القرن الماضي، قبل ان اهنئ بفوز الاسبان المحترمين الذين جبروا بمواقفهم الملتزمة بالعدل بقضايا العرب الغلابى واولها قصية فلسطين بخاطر العرب ابدا.. كذلك فان ظلال محاولة استئصال ترمب من الحياة العامة بالقتل واقصاء الختيار المترنح بايدن بالازاحة ومجزرة اقبح لحظة في التاريخ الانساني حين تمكن اليهود من امتلاك قوة محنونة غير منضبطة وواصلوا مجازرهم كل ذلك ازدحم على باب القلب وانا اتابع دحر الانجليز ولو بالكرة من أمة صديقة!!
كان على ما احب ان اتذكر شهر رمضان الميمون قد هل وحل على امتنا في مطالع صيف ١٩٨٦م.. ومن بداياته كانت زيارة بمعنى دعوة رسمية لرئيس التحرير في الرأي والوفد الذي قرر هو ان يكون معه الى الصين قد بدأت وامتدت لـ خمس وعشرين يوما تنقل بنا في جو من الاخوية الدافئة الرائعة الاستاذ والاخ محمود الكايد يرحمه الله (ابو العزم) وفي الصحبة يوسف العلان حيث طوف بنا (المعلم) كل ارجاء الشرق الاسيوي (من بانكوك حتى سنغافورة ومن هونغ كونغ الى اخر دغل في الصين.. كانت رحلة من التاريخ عجيبة ساعود واكتب عنها بعد ان ننتهي من مرارة قبح قذارة البطش الاسرائيلي ضد عرب غزة…
رحم الله سعيد فريحة كلما اعاود قراءة (جعبته) التي دلتني عليها الزميلة الفاضلة ليما نبيل واهدتني اياها ذات ضحى تسعيناتي، اتحسر على حالنا كيف فرت من بين ايدينا عواصم الشرق العربي الساحر فكانت بيروت اول من تفرغ لخرابها اهلها واليهود وابو عمار، ثم توالت الاستلابات فرحلت بغداد تحت وطاة تحالف ( بطن الحافر ) وما ادراك بدوافع ذلك البطن الخفي من الحافر او من حفر باطن الارض العراقية، وسيظل يذكر التاريخ ان كان الشهيد صدام حسين قد اخطاء التقدير في ذهابه للكويت بغضب انساني لا تبرره قوانين ومعادلات الحياة !
فان حسني مبارك وحافظ الاسد قد ورطوا الامة واستجابوا لرغبة الامريكان في تقاسم العراق مع ايران مقابل اشياء مادية لا معنى لها في التاريخ..
وراحت بغداد وصفي دمها ووزع على القبائل الا نحن.. فلقد امسك هواشم الامة وعميدها سيدنا الحسين بعروبة الحل وادانة الرواح الى الكويت والحيلولة دون ذبح العراق والكويت معا..
لقد كرر الهاشميون وانا هنا اتحدث في باب التاريخ وبعيدا عن السياسة كرر الهاشميون ولبوا صلاة التلبية لمصلحة العرب والانحياز للعرب!!
منذ ان علموا كل العرب ان مصلحة العرب فوق مصلحة العروش وتأتي في المرتبة الاولى!!
وثانية حين اسلم الهاشميون ارادة الجيش وفعل الجيش لقيادة من ارتضتهم الامة زعيما بديلا للهاشميين كان عبد المنعم رياض العسكري الجنرال الشهيد هو من قاد جيشنا في محنة ١٩٦٧م
وفي الثالثة… قال الهاشميون لا لذبح العراق، لا لاحتلال الكويت، ولا لتفتيته (العراق) ما فوق الارض لايران وما تحت الارض للامريكان !!
وهلت المأساة الثالثة، حين تحالف كل شياطين الارض على سوريا واخفق النظام السوري في الانحياز لناسه وشعبه بل لقد كان شريكا بطريق الخطايا في ادارة الازمة مع خصومه وذوت دمشق هي الاخرى…
ثم نرى رابعا غزة لا تذبل وحسب بل انها تكاد تنتهي من الوجود في ظل صمت عالمي مخز ترعاه واشنطن بايدن وعواصم الغرب القبيح ما عدا مدريد تلك العواصم التي تتباكى على جرائم الحرب في اوكرانيا وتسرق اموال الروس جهارا وعلانية وتحث اليهود على ان تكون ابادتهم لغزة فقط (من تحت اللحاف) يعني التستر على الجريمة
إن من يفهم في السياسة ويستوعبها على اسس موضوعية لا بد ان ينحني ويحيي الموقف الهاشمي الاردني العربي المحترم في قضية غزة ذلك ان ايادينا نحن الاردنيين (اردنيو الرسالة) بيضاء طاهرة نقية منحازة للعروبة منذ ان عربدت الباخرة البريطانية دلهي على شاطئ العقبة منذرة اشرف شريف للمغادرة الى المنفى القسري في قبرص حتى مستشفى الميادين في غزة لاننا نحن اهل الميادين العربية الملتزمة.
منذ سنة ١٩٢٦م سنة نفي الشريف لرفضه العلني التنازل عن فلسطين كما فعل غيره حتى تقوم الساعة، فإن هذا (الظل العربي الاردني) سيظل خنجرا يلمع في وجه المرضى ويزرع اشجاره على مهله ويغني للعروبة والحياة ويثبت لكل مشكك ان عمان اخر (تلم) للعروبة، واول وجه يتقن الابتسام ودمعه في قلبه…
لم كل هذا التداعي وانا وددت ان اعبر عن فرحتي لفوز اسبانيا!؟
ثمة حواف لكل قصة والحافة اشد عمقا واكثر اثرا من القصة ذاتها… لقد تعرفت على معنى مباريات كأس العالم على يدي (ابو العزم) عام ١٩٨٦ هناك في الصين
لقد كانت رقم ١٣ من مباريات كأس العالم بدأت في ٣١ مايو وانتهت في حزيران وطلب ابو عزمي يرحمه الله من المضيفين الصينيين الا يعدوا له برنامجا في المساء لانه يريد ان يشاهد تلك المباريات كنا في (شنغهاي) وجلست مجاملا لـ ابو العزم مع الزميل يوسف العلان لمشاهدة مباراة كانت ضارية بين الارجنتين ودولة اوروبية وكان ان كسبت الارجنتين ونزلنا للشارع نغني (بتغني لمين يا حمام)
تزامن ذلك المشهد مع وجود ختيار خرف يقود العالم من البيت الابيض والامريكان لهم على هذا اللون في حياتهم السياسية كان رونالد ريغان ممثل دعايات الصابون يتربع على كرسي عرش الكون واغضبه كلام لمعمر القذافي وارسل قاذفاته العملاقة فدكت مقر سكن العقيد وقتلت ابنته ونجا باعجوبة تحت سمع وبصر العالم.. والامريكان لا يحبون صرف الانظار عن زعامتهم حتى بالرياضة
وهكذا راح (ترمب) يخطف الانظار عن الاسبان في سقوطه المدوي مجروحا بطلق كاره ليمهد له الطريق اسرع للعودة للبيت الابيض
كل ذلك كي لا تستبد فرحة النصر الاسباني بالمشهد…
كان الفضل لـ محمود الكايد ان جعلني انغمس في حبي للكرة… لكن الكرة هذا العام لها معان وصور وظلال اخرى!!
لما ادخل الاسبان الهدف الاول برقصة الباليه التي ادوها ليلة امس لانها حقا لم تكن مباراة كان فنا ساحرا اداه احفاد الفلمنغو بحب عارم… كان عامل التزويد للطاولات يردد (خطية غزة الله يهزم الانجليز)… نحب اسبانيا لانها انصفت دوما قضايانا فقد كانت اخر دولة اوروبية قاومت الاعتراف بالكيان الاسرائيلي الهجين (هنغر اوروبا المتقدم المعصور في حلوقنا) وكانت اول دولة تتحدى عنطزة وقبح نتنياهو وتهديده للعالم ان اعترف نظريا بفلسطين وكانت اسبانيا هي من تحدته!
ولعب الاسبان بمهارة ورياضة رفيعة ترفع لها القبعات ولقد قدموا للعالم صورة مشرقة كما اشراق عمان وسط ركام الحزن واختطاف العواصم سواء بسواء فلقد احال الامريكان هذا العالم بقيادتهم المثخنة الى سيرك مجنون حيث رئيسهم يسلم على الطربيزة بدل السلام على الرئيس الضيف ومرشح التنافس وهو ملقح على الارض يرفع قبضته في الريح وهي قبضة (هتلرية نازية) وتطبطب الاداراة الامريكية ذات المحتوى اليهودي المتطرف على ظهر نتنياهو وهو يقترف كل يوم اسوأ مجزرة نازية في التاريخ منذ مجزرة التتار في حرق بغداد
وتحميه على التمادي بانقاذه من بلل العقوبة الدولية وسيستقبل في البيت الابيض والكونغرس كبطل همام هذا الشهر
هذه هي جوهر حضارة الغرب الذي لم يتحرر من عقدة فشل الغزوة الصليبية في القرن العاشر!!
اسبانيا قدمت فيض روح اوروبا الحقيقية وروح الحضارة الانسانية وافرحت البشرية منتزعة من ركام الحقد والغل وسوء الادارة الامريكية البريطانية الاسرائيلية للعالم غير الحر بسمة اهدتها للقلوب البشرية المثخنة شكرا لكل اسباني واسبانية من الملك وابنته حتى اخر شاب لم يبلغ السبعة عشر عاما في الفريق النبيل الذي افرحنا وحمى الله الاردن الذي امس حين دوى التصفيق في الساحة بمطعم في جبل عمان بنصر الاسبانيول
احسست بالفخار لاننا نقف على الشاطئ الصحيح في الحياة
الاردن ملكا ورسالة وتكوينا يستحق الحياة لانه يعرف كيف يهب الحياة ويعرف اكثر كيف يدافع عنها