الوطن في المستشفى...والمواطن في قاعة الانتظار تنفس اصطناعي ... والحالة مستقرة
صنارة نيوز - 07/10/2025 - 1:39 pm / الكاتب - منار الزواهرة
كتبت منار الزواهرة ...
هذا المقال من باب الفكاهة لا اكثر ...
في هذا البلد، الطب والسياسة وجهان لعملة واحدة، كلاهما يعتمد على المُسكّنات، ويُفضّل العلاج المؤقت، ويعتمد في النهاية على جملة مطمئنة جدًا تقول :
-الحالة مستقرة… لكن تحتاج مراقبة-
وهكذا تحوّل مستشفى الوطن العام إلى نموذج مصغّر للدولة، فيه وزارة للصحة، ووزارة للانتظار، ووزارة للوعود الحسنة وكل مريض فيه مواطن، يدخل بأمل الخلاص… ويخرج بورقة مراجعة بعد أسبوعين.
فقسم الطوارئ – عبارة عن مجلس الوزراء بلباس أبيض..
قسم الطوارئ هو الحكومة الفعلية للوطن قرارات عاجلة، أصوات مرتفعة، ووجوه منهكة تحاول إنقاذ الموقف الطبيب المناوب هو رئيس الوزراء المؤقت،يصدر قراراته بسرعة البرق
“حالة حرجة! حضّروا الأكسجين فورًا!”
فيهمس الممرض من الخلف : الأكسجين في الصيانة من الشهر الماضي يا دولة الرئيس.
فيقرر الطبيب التصرّف بخطة بديلة
-افتحوا الشبابيك- وهكذا ننجو جميعا بهواء طبيعي من صنع الله .
أما قسم الباطنية – عبارة عن لجنة تخطيط طويلة الأمد
هنا: لا شيء يحدث بسرعة
المريض ينتظر تحاليله، والتحاليل تنتظر الكهرباء،
والكهرباء تنتظر المناقصة
الطبيب يجلس أمام الملف كأنه يقرأ موازنة الدولة
نحتاج فحوصات إضافية، لكن مش الآن… بعد الدراسة
والممرض يسجّل الملاحظات وهو يفكر:
“هاي الدراسة رح تخلص قبل ما يتخرج ابني والا لأ؟”
كل شيء مدروس بعناية…
بس النتائج مؤجلة دائمًا حتى إشعار آخر
فقسم الجراحة – هو وزارة الحسم والقرارات الصعبة
الجراح هو السياسي الذي لا يحب الاجتماعات الطويلة،
يدخل الغرفة يقول: خلينا نفتح ونشوف شو في ما عنده وقت للتأجيل ولا التحليل،
يؤمن أن الحلول الجذرية هي أسرع طريق للشفاء… أو للمشكلة الأكبر ،، وإذا سألوه بعد العملية دكتور، كيف الوضع ؟
يرد بثقة أي مسؤول بعد جلسة طارئة: نزعنا المرض من جذوره… بس راقبوه، ممكن يرجع بعد الانتخابات.
أمّا قسم الأطفال – فهو وزارة الأمل الوطني
هنا المستقبل يصرخ ويبكي ويضحك بنفس الدقيقة
الاطباء مثل المعلمين، يحاولون تهدئة جيل كامل من الصغار الذين لا يؤمنون بالإبر ولا بالمواعيد الممرضات يوزّعن الحنان مثل دعم حكومي موسمي ، وكل مرة طفل يبتسم، تشعر أن البلد لسه بخير، وأن "العافية "يمكن تكون وراثية بعد كل شيء.
لنأتي للصيدلية – البنك المركزي للأدوية والوعود
هنا تُدار السياسة المالية للمستشفى ... الصيدلي يقف خلف الشبّاك مثل موظف بنك يتعامل مع أموال نقدية.. المراجع يسأله في دواء الضغظ ؟؟
فيرد الصيدلي بابتسامة هادئة:
“انتهى المخزون، بس في بديل وطني يعطي نفس النتيجة بعد أسبوع”
الطبيب يكتب الوصفة وكأنه يوقّع ميزانية دولة كل سطر مسؤولية، وكل جرعة وعد
أما الصيدلي؟ فهو محلل خطوط حيث انه يفكك كل حرف على حدا ليفهم المكتوب وهو وزير المالية، يحاول يصرف الدواء ضمن الإمكانيات المتاحة ويختم المعاملة بختم خالد _ راجعنا بعد ثلاثة ايام_ .
لنصل الى العناية المركّزة – حيث غرفة الاجتماعات الوطنية
في العناية المركزة، كل شيء صامت الأجهزة تراقب، القلوب تدقّ، والأمل معلّق على شاشة خضراء .. المشهد يختصر الوطن كلهاشخاص تصارع للبقاء، وأطباء وممرضين يقاتلون بالإيمان أكثر من الأدوات.
الطبيب يقول:
“نعمل ما بوسعنا.”
والممرض يضيف
“وما بوسعنا محدود… بس نعمله بحب”
وهذا بالضبط هو تعريف " الوطني الحقيقي " ”
يشتغل بدون موارد… ويضحك وهو يسعف وطنه بالإبرة والابتسامة.
أما عن قسم الإدارة – هنا هو البرلمان الصامت
في الطابق العلوي، حيث الأرواح الإدارية العظيمة، تَعقِد الاجتماعات العادية لمناقشة الخطط الاستراتيجية...
خطة تحسين جودة الخدمة (بشرط وجود الخدمة)
خطة تسريع المراجعات (بشرط حضور الموظف)
خطة مكافحة الإرهاق (بشرط زيادة القهوة)
المدير العام يفتتح الجلسة بجملة وطنية فخمة
“نحن نعمل ضمن رؤية شاملة للتطوير.”
والممرض من آخر القاعة يهمس لزميله:
“رؤية شاملة؟ يا ريت تشمل التكييف كمان”
وبالختام يتم تشخيص الوطن الطبي بعد سنوات من المراقبة والتحاليل،حيث توصلت لجنة الأطباء والممرضين إلى التشخيص النهائي لوضع البلد.
ضغط مرتفع – بسبب ارتفاع الاسعار والمواعيد _ وعلاجها قسط من الهدوء وكوب شاي بنعناع.
نبض بطيْ _ من كثرة الانتظار في الطوابير _ وعلاجها جرعة تفاؤل كل صباح .
إرهاق عام – من كثرة الاجتماعات _ علاجها نوم ضميري عميق ليوم واحد فقط .
فقدان ذاكرة مؤقت – نسيان الوعود القديمة – علاجها تذكير دوري قبل الانتخابات .
|
واخيراً، كُتب في التقرير الرسمي بخط جميل :
“مستشفى الوطن العام… يعمل ضمن الإمكانيات، ويتنفس بالأمل،
الحالة حرجة… لكن مستقرة منذ عام 1989.”