تشي جيفارا وفلسطين: حين التقت الثورة اللاتينية بروح المقاومة الفلسطينية
صنارة نيوز - 15/10/2025 - 10:45 am / الكاتب - د راسم بشارات
د. راسم بشارات - دكتوراه في دراسات غرب آسيا ومختصفي الشأن اللاتيني
قبل أكثر من نصف قرن، في ٩ اكتوبر ١٩٦٧، توقفت بندقية الثائرالأرجنتيني إرنستو “تشي” جيفارا في جبال بوليفيا، لكن صدىكلماته ظل حيا في أرجاء العالم الثالث، من جبال الأنديز إلىمخيمات اللاجئين في غزة.
اليوم، وبعد 58 عاما على مقتله، يعود السؤال: ما الذي جمع بينالطبيب الأرجنتيني الذي قاتل في الأدغال الكوبية، وبين الشعبالفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال منذ عقود؟ هل كانت العلاقة رمزيةفحسب، أم أن “تشي” ترك أثرا حقيقيا في الفكر الثوريالفلسطيني؟.
من بيونس آيرس إلى جبال سييرا مايسترا إلى غزة
إرنستو غيفارا دي لا سيرنا، أو كما عرف لاحقا بـ“تشي”، ولد عام1928 في الأرجنتين. ترك دراسة الطب في سبيل “شفاء العالم منالظلم” كما قال، ليبدأ رحلته الثورية متنقلا بين بلدان أمريكااللاتينية، ليصبح في عام 1959 أحد أبرز وجوه الثورة الكوبية التيأطاحت بنظام باتيستا المدعوم أمريكيا.
لكن جيفارا لم يكتف بانتصار كوبا، إذ كان يرى أن الثورة الحقيقيةلا تعرف حدودا، وأن “كل ثورة حقيقية هي حرب تحرير ضدالاستعمار”. تلك الرؤية الأممية هي ما مهدت للقاء الرمزي بينه وبينفلسطين.
في يونيو 1959، بعد شهور قليلة من نجاح الثورة الكوبية، وصل“تشي جيفارا” إلى قطاع غزة، الذي كان حينها تحت الإدارةالمصرية، وعلى الرغم من أن الزيارة كانت قصيرة - يومان فقط - إلاأنها حملت دلالات عميقة، فقد زار مخيمات البريج والنصيراتللاجئين الفلسطينيين، والتقى بعدد من قادة المقاومة الفلسطينيةالوليدة وزار عدة معسكرات تدريب في قطاع غزة.
الصور التي التقطت له وسط خيام اللاجئين سرعان ما انتشرت فيالصحف العالمية، لتضع فلسطين على خريطة “النضال الأممي”، إذ أن زيارة تشي ربطت بين الثورة ضد الإمبريالية في أمريكااللاتينية والمقاومة ضد الاستعمار الصهيوني في الشرق الأوسط. وكان أول قائد عالمي يعامل الفلسطينيين كحركة تحرر وطني، لاكقضية إنسانية فقط. وقد أشار المؤرخ والباحث الفلسطيني سلمان أبوستة لتلك الزيارة بالتالي: "كانت الزيارة حدثا تاريخيا ومثلت بدايةالتدويل للقضية الفلسطينية".
من غيفارا إلى الفدائيين: الأثر العميق في الفكر والممارسة
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بدأت الفصائلالفلسطينية، خصوصا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تتبنىالخطاب الأممي المستلهم من فكر تشي، وكانوا يرفعون صوره فيالمخيمات ويهتفون بشعاره الشهير: “حتى النصر دائما – Hastala victoria siempre”، ومنه استلهمت حركة التحرير الوطنيالفلسطيني "فتح" شعارها الخالد: وانها لثورة حتى النصر.
كما أن الكثير من الكوادر الفلسطينية تدربت على فكر“الفوكونيتي” — أي بناء بؤر مقاومة صغيرة قادرة على إشعالحركة واسعة، وهي الفكرة التي طورها جيفارا في كوبا وبوليفيا. حتى أن بعض معسكرات التدريب الفلسطينية في لبنان كانت تحملاسم “معسكر تشي جيفارا”.
والى اليوم، ما زال اسم “تشي” حاضرا في الوعي الشعبيالفلسطيني؛ شوارع ومقاه في غزة والضفة الغربية تحمل اسمه، لوحات جدارية تصوره إلى جانب عبد الناصر وياسر عرفات. وفيمخيم النصيرات، يوجد “نادي تشي جيفارا الثقافي” أسسه شبابيساريون في التسعينات.
ورغم ذلك، فإن التأثير الرمزي — بحسب المؤرخين — هو جزء لايتجزأ من القوة الثورية ذاتها؛ فكل حركة تحرر تحتاج إلى رموزتتجاوز حدودها الجغرافية لتلهم الآخرين.
في الذكرى ٥٨ لمقتله، ما زالت مقولة التشي تتردد على جدران غزةوالضفة: “إذا رجعت، سأعود مع كل الفقراء الذين آمنوا بي.” وربمالهذا السبب، كتب أحد الرسامين في خان يونس تحت صورته: “غيفارا لم يمت في بوليفيا… هو يعيش في كل شارع يقاومالاحتلال.”
قصة تشي جيفارا مع فلسطين ليست مجرد زيارة دبلوماسية عابرة، بل التقاء رمزي بين ثورتين تشتركان في الهدف نفسه: الحرية.
من جبال سييرا مايسترا إلى مخيمات اللاجئين، ظل “تشي” شاهدا على أن الثورة لا جنسية لها، وأن العدالة لا تتجزأ و“حيثماوجد الظلم، فواجب كل إنسان أن يحاربه.”
تشي جيفارا، في ذكراك نقول ما قلته انت في مرات عديدة: "لا يمكنكالوثوق بالإمبريالية مطلقا ولا للحظة، أبدا". "حتى النصر دوما".