توظيف القضية الفلسطينية: أوراق اللعبة السياسية في الأردن
صنارة نيوز - 02/10/2025 - 8:35 pm / الكاتب - الدكتور عزمي حجرات
بقلم الدكتور عزمي حجرات
ان القضية الفلسطينة وغزة تحديدا، تعد حاضرة وبقوة في الخطاب السياسي الأردني الرسمي والشعبي على حد سواء، يعود ذلك للروابط التاريخية والجغرافية والاجتماعية الوثيقة التي تجمع البلدين. ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، نشطتالأحزاب السياسية في الأردن باستغلال هذه القضية الإنسانية والعاطفة الجماهيرية تجاهها، ليس من منطلق وطني أصيل، بل كأداة لكسب التعاطف والدعم الشعبي، وتحسين صورتها في سباق المنافسة السياسية.
لا يمكن فهم حجم التأثير الذي تُحدثه قضية غزة على المشهد السياسي الأردني دون استحضار العمق التاريخي للعلاقة بين الضفتين. فقبل نكبة 1948، لم تكن هناك حدود تفصل الأردن عن فلسطين، وكانت الأراضي متداخلة ومتصلة عشائرياً وتجارياً. بعد النكبة، استقبل الأردن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، وأصبحت الضفة الغربية جزءاً من المملكة بين عامي 1950 و1967، مع برلمان موحد. وعلى الرغم من فك الارتباط القانوني والإداري عام 1988، بقي "القلب واحداً ببطينين"، كما بعض الكتاب، حيث لا تزال القضية الفلسطينية في قلب الأولويات الوطنية الأردنية. هذا التداخل جعل مشاعر الغضب والتضامن مع غزة مشاعر حية ومؤثرة في الرأي العام، وهي حقيقة يسعى البعض لتوظيفها.
وفي هذا السياق الحزبي المتنوع الساحة الاردنية، والترابط التاريخي العميق والمتجذر بين البلدين، لجأت الاحزاب السياسية في الاردن برغم تنوعها الفكري، وبغض النظر عن مكانتها لدى الشارع من حيث القبول او الرفض، وفي ظل غياب برنامج سياسي واضح الى استخدام الخطابات الحادة بهدف اثارة المشاعر وتعزيز التعاطف معها على حساب قضية غزة.
هدفت هذه الاحزاب من خلال هذا السلوك الشعبوي لتحسين سمعتها وتقديم نفسها شعبيا كمناصرة للقضايا الوطنية، ساعية الى كسب شرعية شعبية لا تملكها اصلا، او قد تكون فقدتها في العقود الاخيرة السابقة. وبرز في هذا السياق تنافس حاد بين الاسلاميين والعلمانيين في استخدام القضية كساحة للمنافسة، محاولين اثبات ارتباطهم في القضية الفلسطينية لجمع اكبر عدد من المؤيدين لها. استخدموا خلالها الاتهامات للحكومة الاردنية والحكومات العربية ككل لابراز انفسهم كاوصياء على الحق الفلسطيني.
برغم الدعم الاردني المستمر للقضية الفلسطينية على مدى اكثر من 78 عام، الا ان الحكومة تواجه تحديا حقيقيا امام هذه الاحزاب الساعية للانتشار على حساب الاستقرار الداخلي للساحة الاردنية، منكرين او متجاهلين حجم الدعم الاردني لقضية غزة منذ اللحظة الاول لاحداث ما يعرف بطوفان الاقصى، ومتهمين الحكومة علنا بالتقصير لاثارة الشارع وكسب التاييد الشعبي، غير مكترثين بان استقرار الاردن داخليا هو من مصلحة القضية الفلسطينية كم هو من مصلحة الاردن.
ان تعاطف الشارع الاردني مع غزة، هو تعاطف حقيقي اصيل، يتم استغلاله من قبل الاحزاب السيسية بصورة انتهازية، علما ان الحكومة الاردنية لم تمنع النقاش العقلاني المسؤول، او اي مبادرات تعمل ضمن الاطر القانونية دعما لاهل غزة والقضية الفلسطينية.
ختاما، بات لزاما على المواطن الاردني؛ التمييز بين الخطاب الاصيل والخطاب الانتهازي، والنظر بعقلانية بعيد عن العاطفة التي سمحت لاحزاب سياسية طامعة في الانتشار على حساب امن واستقرار الساحة الداخلية، منتهزة قضية غزة الاكثر تاثيرا في الوقت الراهن على عاطفة المواطن الاردني، فوعي المواطن هو اهم الحواجز امام محاولات الاستغلال للقضايا الوطنية.
حفظ الله الاردن واعز مليكه