جبع تحت النار: اعتداءات المستوطنين على البدو تتكرر وتهدد الوجود الفلسطيني

صنارة نيوز - 18/09/2025 - 11:09 am

جبع تحت النار: اعتداءات المستوطنين على البدو تتكرر وتهدد الوجود الفلسطيني

إعداد منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة

 

المقدمة
في مشهد تكرر كثيراً في الضفة الغربية، استيقظت التجمعات البدوية القريبة من بلدة جبع شمال شرقي القدس صباح 13 سبتمبر على هجوم جديد نفذه مستوطنون. ألسنة النار التهمت المساكن البسيطة وأضرت المركبات، بينما وثقت مقاطع مصوّرة انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي تفاصيل الحريق وآثاره. ورغم أن الحدث بدا وكأنه واقعة يومية عابرة، إلا أنه جزء من سلسلة أوسع من الاعتداءات التي تستهدف البدو الفلسطينيين منذ سنوات، مهددة وجودهم وأمنهم ومستقبلهم.

 
سلسلة متواصلة من العنف
خلال الأشهر القليلة الماضية فقط، شهدت جبع ومحيطها حوادث مشابهة. ففي شباط الماضي، تعرض تجمع بدوي لهجوم أسفر عن إحراق منزل واصابة مواطنين، ووثّقت منظمة البيدر هجومًا نفذته مجموعات من المستوطنين على تجمع معازي جبع في يونيو ٢٠٢٥، أسفر عن إصابات مباشرة في صفوف السكان، ومنع متعمد لوصول سيارات الإسعاف. وفي أغسطس من العام ذاته، رصدت تقارير OCHA اقتحامات متكررة للتجمعات البدوية، ترافقت مع إصابات واعتداءات على قاصرين هذه الاعتداءات لم تترك خسائر مادية فحسب، بل دفعت عائلات بأكملها إلى النزوح المؤقت، تاركة وراءها أراضي الرعي التي تشكل مصدر رزقها الأساسي.

تشير التغطيات الإعلامية المحلية والدولية إلى أن الاعتداءات تنفذ غالباً على يد مجموعات استيطانية متطرفة تعرف باسم “عصابات تدفيع الثمن”. هذه الجماعات تسعى، بحسب حقوقيين ومراقبين، إلى ترهيب الفلسطينيين وفرض واقع جديد على الأرض يخدم التوسع الاستيطاني. ورغم توثيق هذه الاعتداءات، فإن السلطات الإسرائيلية لم تعلن حتى الآن عن اعتقالات جدية أو محاكمات ناجزة لمرتكبيها، ما يعزز شعوراً بالإفلات من العقاب.

 

تقارير دولية تدق ناقوس الخطر
منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة، إلى جانب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، وثقت ارتفاعاً كبيراً في الاعتداءات المرتبطة بالمستوطنين بين عامي 2024 و2025. وتشير هذه التقارير إلى أن النتائج لم تكن محصورة بالخسائر المادية، بل شملت تزايد أعداد المشردين وتدمير بنية الاقتصاد الرعوي، ما يضع المجتمعات البدوية في مواجهة تهديد وجودي.

 

أثر مباشر وطويل الأمد
حادثة جبع الأخيرة ليست سوى حلقة جديدة في نمط بات ممنهجاً منذ عام 2024 وتكثف خلال 2025. النتائج المترتبة مباشرة تشمل خسارة الموارد الأساسية وتشريد الأسر، بينما يتجاوز الأثر اللحظة الراهنة ليهدد بحدوث تغيير دائم في خريطة السكن والرعي لصالح مشاريع التوسع الاستيطاني.

التقارير الحقوقية تكشف أيضاً عن فجوة واضحة بين حجم الاعتداءات الموثقة ومعدلات التحقيق أو المحاكمة، وهو ما يعمق شعور السكان بالخذلان ويشجع المعتدين على تكرار أفعالهم. وفي السياق الأوسع، ساهم تصاعد العنف في الضفة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 في منح المستوطنين مساحة أكبر للتحرك، وزاد من حدة الاحتكاك اليومي مع الفلسطينيين.

 
الخاتمة
الهجوم الأخير على بدو جبع يعكس مأساة متكررة: خيام تحرق، ماشية تنهب، وأسر تجبر على ترك أراضيها. وبينما تتواصل الاعتداءات دون رادع قضائي أو حماية فعلية، يتعرض نسيج اجتماعي واقتصاد رعوي تشكل عبر عقود طويلة للتفكك والانهيار.

القضية لم تعد مجرد أحداث محلية متفرقة، بل باتت جزءاً من معركة أوسع على الأرض والوجود. وفي ظل غياب العدالة، يتحول الإفلات من العقاب إلى أداة تمكن العنف وتعيد إنتاجه، تاركةً المستقبل أكثر هشاشة وغموضاً لسكان البدو في جبع ومحيطها.