عندما يسوق نتنياهو نفسه بشارة المسيح المنتظر...

صنارة نيوز - 25/11/2024 - 12:48 pm  /  الكاتب - نادية سعدالدين

نادية سعدالدين
   "نتنياهو" ليس مجرد سياسي صهيوني متطرف، بل صاحب عقلية مشبعة بالأفكار الدينية المستقاة من نصوص توراتية وتلمودية عنصرية، تجد إسقاطاتها اليوم، فتضحي حرب الإبادة ضد قطاع غزة ولبنان "مهمة إلهية" لترتيب ظهور "المسيح"، الخاص باليهود وحدهم، وتسليم مفاتيح القدس له. وهي وصفة جاهزة لإضفاء "القداسة" المزعومة على نزعته الدموية ومشروعه الاستعماري التوسعي في فلسطين والمنطقة.


   ولاكتمال "المهمة الربانية" داخل فلسطين المحتلة وتعجيل "مجيء المسيح المنتظر"، وفق المنظور الصهيوني، لا بد من إقامة "الدولة اليهودية" النقية، الخالية من الوجود الفلسطيني، وضم الضفة الغربية وهدم المسجد الأقصى المبارك وتهويد القدس بوصفها "العاصمة الموحدة الأبدية لإسرائيل"، كما يزعمون. مما يعني ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر الوحشية بحق الشعب الفلسطيني.

ولأن المهمة ليست سهلة، بخاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" وجبهة الإسناد اللبنانية، وفي ظل صمود الشعب الفلسطيني وصلابة المقاومة، فكان لا بد من استدعاء فكرة بشارة "المسيح المخلص" في هيئة "نتنياهو"، الذي يتقن فن المراوغة والتلاعب بالمفاهيم، فسوق مهمته في غزة على أنها تجسيد "لإرادة الله" في إقامة "دولة إسرائيل التاريخية"، أو "الكبرى"، وتلقفتها نفوس المستوطنين الجاذبة للنزعة العدوانية والعنف.
ولطالما لجأت الصهيونية إلى فكرة "الخلاص" للربط بين "أرض الميعاد" و"الشعب المختار"، واستيطان "الأرض المقدسة استجابة لنبوءة الأنبياء ولحقوقه التاريخية فيها"، وفق مزاعمها التي وقفت وراء هجرة التجمعات اليهودية المتناثرة في أصقاع العالم إلى فلسطين وتهجير سكانها الأصليين واستلاب أراضيهم والاستيطان فيها، مثلما تقف اليوم وراء مشروعي الضم والتهويد.
إلا أن الصهيونية لجأت للالتفاف على "الماسيحانية" عند مخاطبة المتدينين، الذين يربطون العودة إلى "أرض الميعاد" بظهور "المسيح"، فقامت بتغليف مفهومي "الحق" و"الواجب المقدس" بذات الدعوى بعد قلب مضمونها، بحيث بات من الواجب انتظار "المسيح" من داخل فلسطين وليس من خارجها، فتم تحوير مسار التاريخ المقدس بالنسبة للمتدينين من النفي والانتظار ومن ثم العودة بعد مجيء المسيح، إلى مسار النفي ومن ثم العودة انتظارا للمسيح من داخل فلسطين، لتعجيل ظهوره.
 لكن "الأرض المقدسة" لم ترتبط عند الساسة الصهاينة بفلسطين. فالصهيوني المؤسس "ثيودور هرتزل"، على سبيل المثال، نظر إليها كفرصة للاستيطان والاستثمار، أسوة بزعيم حركة "أحباء صهيون" المتطرفة "ليون بينسكر" الذي اهتم فقط بمدى نفعيتها وانتاجيتها، وأوصى بتشكيل لجنة خبراء لدراسة بدائل الدول المتاحة للمشروع الصهيوني، واختيار واحدة منها واستيطانها.
ويعد "مشروع شرق أفريقيا - أوغندا" الذي قبله "هرتزل" و"ماكس نورداو"، شريكه في تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية عام 1897، وأقرته المؤتمرات الصهيونية آنذاك، مثالا على ذلك، أسوة "بمشروع الأرجنتين"، "فصهيون" عندهم مكان يمكن أن يستبدل بأي مكان آخر، بمعنى "قابلية الإحلال" الذي دعا إليه الصهيوني "يسرائيل زانجويل"، الذي عرف عنه أنه صاحب المقولة المزعومة "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وتبناها "بن غوريون" من بعده. 
   وبالتالي؛ هم يطالبون "بالأرض الدنيوية"، التي قد تكون أي بقعة في العالم، وليس "أرض إسرائيل التاريخية"، كما يزعمون، بما يجسد زيف روايتهم، ويكشف النظرة التوسعية التي تقف وراء حروبهم وجرائمهم.