النوباني والتلفزيون الأردني… جدل كبير حول صفقة صغيرة
صنارة نيوز - 26/09/2025 - 10:12 am
كتب : سامح المحاريق
خرجت الأخبار قبل أيام حول صرخة من الفنانين الأردنيين يشكون فيها من تهميشهم، ومع أن التعاطف يمكن أن يفرض نفسه مع حالهم وحال الإنتاج الفني في الأردن، إلا أن شكواهم ليست محقةً في شيء، فالالتحاق بالعمل الإبداعي هو من الخيارات الشخصية، ولا يمكن لوزارة الثقافة أو الجهات التي توجه الدعم للعمل الثقافي أن تبقي أبوابها مشرعةً لكاتب أو رسام يطلب دعمًا ويطلب من الوزارة استكتابه أو شراء نسخ من أعماله، لا يمكن أن يكون ذلك نمطًا للحياة بالنسبة للمبدع، ولا نمطًا للإدارة بالنسبة لأي جهة رسمية أو غير رسمية.
مناسبة الحديث هو الجدل حول التعاقد مع (المؤثر) يزن النوباني، وليس النوباني نفسه، أو التعاقد من حيث المبدأ، ففي النهاية نطالب التلفزيون الأردني أن يتحرك وعليه ليتحرك ويعمل خارج الأطر التقليدية أن يفكر في الموازنة بين الإنتاج المرتبط بالوعي والتنوير والاهتمام بالتراث والقضايا المحلية، لأنه تلفزيون موجه للأردنيين، وبين اعتبارات تحقيق الربحية والعائد من أعمال يمكن أن تستقطب الإعلانات لأنها ستتمكن من تحقيق مستويات متابعة مرتفعة، وبغض النظر عن الاعتبارات التجارية التي جعلت التلفزيون يتوجه لاستثمار 480 ألف دينار في مسلسل ليزن النوباني، فنحن لا نعلم هل هي صفقة رابحة أو خاسرة، ولكن لا بد من التجربة والخطأ أحيانًا.
البعض يعترض أن ظهور النوباني يفتتح عصرًا للتفاهة وأنه لا يليق بمكانة التلفزيون الأردني، وبالنسبة لي لم أكن سمعت عن النوباني من قبل الأزمة، ولم أتمكن سوى من متابعة ثوانٍ قليلة من بعض الفيديوهات التي ينشرها على موقع اليوتيوب، وبعضها يحظى بمتابعات مليونية، ولا يمكن لشخص مثلي، ولكثير من الفنانين الأردنيين المحترمين، ومعهم المفكرين والمثقفين أن يضع نفسه في مقارنة معه من ناحية الجدوى المالية والمتابعون يصلون بالكاد إلى مئات أو بضعة آلاف الأشخاص، بمعنى أن فرضية التلفزيون صحيحة من ناحية تجارية بحتة، وأن عليه أن كما ذكرنا أن يبحث عن بعض التمويل، وإذا كنا نريد أن نحتفظ بما يسمى بهيبة القناة الرسمية، فالممكن هو أن يعمل التلفزيون على افتتاح قنوات للترفيه ويمكن أن تتعدد هذه القنوات مثل قنوات النيل والتلفزيون المصري الذي لا يرى غضاضة في أن يلحق بعض المؤثرين بالمسلسلات التي ينتجها ويبدو أن لديهم جمهورهم، ويحققون عائد مادي يبرر تواجدهم على الشاشة، أما جودة العمل الفني فهذه مسألة أخرى.
الكثيرون يرون النوباني يقدم شخصية غير لائقة ويصدرون حكمًا قيميًا مسبقًا، مع أن القيمة لا علاقة لها بالمسألة، والتلفزيون مسؤول ألا يمضي العمل إلى الابتذال، ويمكن الاعتراض في حال مشهد خارج أو كلمة نابية، أما محاكمة العمل والشخص الذي سيقدمه مسبقًا بدعوى أنه محتوى غير لائق، فهذه مسألة خطيرة للأسف، غير لائق لمن، ومن وجهة نظر من؟
كنت لا أحب ممثلًا يدعى محمد نجم، لا أطيق أن أسمع صوته أو أشاهده، ولكن مسرحه كان دائمًا ممتلئًا بالمتفرجين، والمقابل، أن يحيى الفخراني تمكن لسنوات من تقديم رائعة شكسبير الملك لير، وهكذا هي البيئة الفنية والذائقة العامة التي تعني جوهريًا عدم وجود نمط واحد ومحاولة وضع ذلك النمط يعني أن يفقد المجتمع حيويته لمصلحة نسخة واحدة افتراضية ومثالية غير موجودة، وبالتالي غير منتجة، وهذه المجتمعات لا يمكن أن تتقدم لأنها تعايش محاولة القبض على لحظة معينة، وفكرة واحدة، وصورة محددة، وكلها أمور لا تتوافق مع ما يمكن وصفه بالسيرورة/ المسيرة المجتمعية.
يمكن للنوباني طالما لديه هذا الجماهيرية أن يصنع مبلغًا يتجاوز ما كان سيحققه من التلفزيون، والشاب الذي لا يتوافق عمله مع ذائقتي، لن يموت جوعًا أو يطوى في النسيان، ولكن في المقابل، علي أن أطالب الفنانين الأردنيين بأن يحترموا خياراتهم الشخصية وأن يتوقفوا عن الشكوى وألا يعتبروا التلفزيون هم الآخرين مجرد مدخل للتنفيع والارتزاق من سنة لأخرى.
كما تم الاستقواء على النوباني يجب أيضًا محاسبة أي فنان ليس له جمهور حقيقي يظهر على شاشة التلفزيون، لأنه ببساطة يستهلك من المال العام لمجرد أنه يتذرع بعبارات ذات طبيعة وطنية وشعبويات وشعارات ليس محلها أبدًا قطاع لو أردنا أن نستخرج منه الأفضل، إذا كان ثمة ما يمكن وصفه بالأفضل في سياق العمل الفني والإبداعي، أن يكون هناك إنتاج أوسع وعلى أسس تجارية ليتم التأسيس لتجارب استثنائية ونوعية.
عمومًا، عضوية نقابة الفنانين الأردنيين لا تجعل من أي شخص فنانًا، كما أن رابطة الكتاب ليست الجهة التي تحدد من هو الكاتب الجيد من السيء، ببساطة هي جهات غير مخولة سوى بمصلحة أعضائها ومحاولة البحث عن فرص لهم لا فرضهم على المجتمع والمتابعين.
كما أن ذائقتي وذائقة أي شخص آخر، ليست هي ذائقة المجتمع، ولا الأجيال الجديدة، وليس لأحد أن يمارس الوصاية على الآخرين، ولا أن يعتقد بأنه أفضل من ملايين المتابعين الذين يشاهدون يزن على مواقع التواصل أو موقع اليوتيوب، وإذا كانت القصة مرتبطة بالتلفزيون الأردني، فالمطلوب هو بناء استراتيجية جديدة تحدد دوره ومهامه والمتوقع منه على مستوى المجتمع، وما عليه أن يفعله، وهل يدخل أصلًا في الإنتاج الفني أم ينسحب منه، ولكن كل ما حدث هو كلام كبير بخصوص موضوع كان يفترض أن يظل صغيرًا وعاديًا.
تحرير عنوان مميز