نحو 70% من السلع والمواد الغذائية تستورد من الخارج، الامر يبدو مربكا لبلاد كانت الزراعة فيها لعقود طويلة العامود الفقري لاقتصادها الوطني، الامر يبدو اليوم أكثر من «هراء «، والاردن الغني بالتنوع البيئي الملائم لزراعات عديدة عاد مستوردا لحاجاته الغذائية.
الاردن لم يعد منافسا في مجال الزراعة ولا التصنيع الزراعي، فالقطاع الزراعي شبه منهار، والصناعات الغذائية الوطنية غير محمية وتعاني من ارتفاع الكلفة وانعدام المنافسة، وعلى عكس ما هو جار في بلدان عربية مجاورة كانت مستهلكا للمنتجات الاردنية، الا أنها تحولت خلال العقدين الماضيين الى منتج ضخم، وذلك من خلالها جذبها لشركات عالمية عملاقة، أنشأت مصانعها هناك،فتحولت تلك الدول الى مصدر عملاق لمنتجات غذائية وزراعية مثل الزيوت والاجبان والالبان والحليب المجفف والفواكهة والماكولات المبردة والحلويات والسكاكر والمعلبات بكل أنواعها « فول وحمص وذرة وبازيلاء «وغيرها.
ثمة ما يستدعي حتما الى طرح أكثر من سؤال عن سر تراجع الاردن على خريطة الدول المصدرة للمواد الغذائية، وتعرض صناعاته الى الوهن والافلاس وضعف القدرة التنافسية، مقارنة بفترات سابقة أحتل بها الاردن مركز الصدارة مقارنة بدول المنطقة.
خريطة انتاج واستهلاك المنتجات الغذائية تمتد على مساحة قارات العالم، فالسلع التي تحمل ماركات تجارية عالمية الاكثر شهرة في العالم والمخصصة للاستهلاك في الشرق الاوسط لم تعد تصنع وتصدر من موطن بلادها الاصلي فكلف الانتاج مرتفعة، واصبحت تنتج في اسواق قريبة من تجمعات المستهلكين.
وأبرز مثال في هذا المجال الصناعات الغذائية كالزيوت والاجبان والمعلبات، أذ أن أغلب المنتجات المعروضة منها في السوق الاردني يتم تصنعيها في بلدان مجاورة، وحصة استهلاك الاردنيين لها مرتفعة مقارنة بالصناعة المحلية، فهي تحمل اسماء لماركات عالمية مضمونة التصنيع والجودة.
الاقتصاد الصناعي للخلف در، وكان هناك عمليات ممنهجة لقتل الصناعة والتصنيع بكل انواعه واشكاله، واللائحة تطول بذكر صناعات ماتت وأخرى غادرت البلاد هربا من السياسات الاقتصادية، كان من الممكن أن تبقى في أطار التنافس بين منتجات مختلفة في السوق الاردني وخارجها.
مستثمرون يتخذون من الاردن مقرا لمركز استثماراتهم الصناعية، قرروا الهروب والبحث عن بدائل في بلدان مجاورة، ولعل الامثلة كثيرة لمنتجات كانت تدخل السوق المحلي مروس عليها ليبل تصنيع أردني، ولكن اليوم الواقع قد انعكس وباتت تأتي من بلدان أخرى.
والامر لم يعد يقتصر على الصناعات الغذائية من زيوت واجبان ومعلبات، فحتى الخضار والفواكه مثل البطيخ والبندورة «رب البندورة والكاتشاب « والتفاح والشمام وغيرها تستورد من الخارج، وتنافس بالسوق المحلي كونها معفية من الجمارك نظرا لاتفاقيات ثنائية مبرمة مع تلك البلدان.
وهذا بالطبع عكس دول اوروبية يبلغ معدل الرسم الجمركي على المستوردات منها 35% وذلك حماية للمنتج الوطني. وفي ظل غياب وانعدام الدعم والرعاية الحكومية للانتاج والتصنيع الزراعي، فان كثيرين يبدون يوضوح عدم اقتناعهم بامكانية منافسة المنتج الوطني بالاسواق المحلية والخارجية.
التدمير الممنهج للصناعة بات واضحا، وبعيدا عن اهمال الحكومة لهذه القطاعات، أذ أن الاردن لم يستطع خلال عقد من الزمن أن يجذب استثمارات صناعية عالمية للبلاد، مصانع لا يتجاوز عددها اصابع اليد اقامها مستثمرون من دول عربية شقيقة تعرضت الى حروب وصراعات داخلية.
والاهم أن المعطيات والمؤشرات القائمة لا تنبىء بان القادم أفضل وان ثمة تحسنا قد يطرأ على واقع الاستثمار التعيس والخائب، فعند مراجعة خريطة الصناعة تكتشف هجرة منتظمة للمصانع من السوق المحلية، والمسألة ليس بها « سحر»، فالهاربون اغلقوا مصانعهم جراء عقد «البيروقراط» المستعصية على التفكك، والضرائب الجنونية وارتفاع كلف الانتاج من مواصلات واراض ونقل ومحروقات وكهرباء وأيد عاملة.