الثروة المعدنية.. كم تأخرنا!

صنارة نيوز - 2016-05-26 07:36:17

جمانة غنيمات تكتب:

قبل سنوات، أنجزت تحقيقاً صحفياً عن الثروات المعدنية الموجودة في وطننا، حمل عنوان "الأردن غني تحت الأرض فقير فوقها"؛ في تدليل على ضخامة حجم الثروات الموجودة لدينا، إنما لم يجر استثمارها بالشكل المطلوب، نتيجة ضخامة مقابلة في القصور الرسمي على هذا الصعيد.
التحقيق كان محاولة للربط بين ارتفاع معدلات الفقر والبطالة من جهة، وبين عجز الحكومات وغياب الإرادة لديها لاستخراج الكنز المعروف مكانه ومحتوياته الثمينة.
إذ لدينا في الأردن الكثير من المعادن المفيدة التي تعتبرها دول أخرى مصادر رئيسة للدخل الوطني وخلق فرص العمل. وهي، أيضا، أداة رئيسة في تغيير بنية الاقتصاد، بحيث يضم صناعات متطورة تقوم على هذه الثروات. من ذلك، على سبيل المثال فحسب، "السيلكا" التي يتم استثمارها لدينا بطريقة أولية، لا تقدم شيئاً يُذكر من القيمة المضافة المرجوة منها في حال تم استثمارها بالشكل المطلوب.
تؤكد الواقع السابق، السلبي للأسف، قناعات خبراء طالما شكوا من قلة الاهتمام بقطاع الثروات الطبيعية، لاسيما المعدنية منها، بشكل يعود بالخير على البلد وأهله، وينسجم مع التوقع، بل حتى المخيال الشعبي الذي طالما أكد وجود ثروات لدينا لم تستثمر بالشكل الأمثل حتى الآن.
في زمن مضى، كانت "سلطة المصادر الطبيعية" تقوم على هذا الأمر. وقد قدمت ما هو ممكن في ظل ميزانية ضعيفة وموارد محدودة، لكن بما لا يرتقي حتماً، بحكم هذين السببين، إلى مستوى يقنع الناس بأن الحكومات قامت بدورها هنا.
وطبعاً، ازداد التراجع مع إلغاء "السلطة" كمؤسسة، وتوزيع مهامها بين عدد من الجهات، حتى فُقد الأمل بإمكانية النهوض بعمل جدي في هذا المجال، رغم أن إرث "السلطة" الذي تقاسمه المعنيون "الجدد"، غني بالدراسات التي تحدد ماهية الثروات الأردنية وأماكن تواجدها.
أخيرا، ظهر ما يبعث على التفاؤل والأمل بإمكانية استثمار خيرات الأردن بشكل يعود بالنفع على أبنائه. إذ أعلن وزير الطاقة والثروة المعدنية د. إبراهيم سيف، الإثنين الماضي، "ضرورة تعزيز جهود دعم وترويج قطاع التعدين والثروات المعدنية، من أجل إعادة تنشيط العمل فيه"، مؤكدا أن العام الحالي سيركز على الثروة المعدنية.
الهدف العام من "استراتيجية الثروة المعدنية للأعوام 2016-2025"، هو السعي إلى رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لتصل نسبة 11 % العام 2025، مقارنة بنحو 8 % العام الماضي، فيما شكلت صادرات "الثروة المعدنية" نحو 30 % من مجموع الصادرات في العام نفسه. وإضافة إلى آلاف فرص العمل التي ساهم القطاع في إيجادها للأردنيين، فإن تحقيق الهدف المستقبلي يبرر توقع خلق المزيد من الفرص.
لكن الاستراتيجية الجديدة ليست أكثر من خطوة في الاتجاه المطلوب، بحيث يتم بناء قاعدة معلومات حديثة بشأن الثروة المعدنية الأردنية، واستكمال الأطر القانونية والتشريعية لاستثمارها الأمثل، وضمن ذلك جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لقطاع التعدين، بما يساهم في تحقيق تطلعات الناس.
التفاصيل كثيرة في هذا القطاع، بحيث يحتاج تحقيق المطلوب صبرا وإرادة، لاسيما أنه أيضا يضم الكثير من الموارد؛ منها ما تم استغلاله، ومنها ما ينتظر، من قبيل المعادن "اللافلزية"، كالفوسفات والبوتاس والإسمنت ومواد البناء وكربونات الكالسيوم؛ والمعادن "الفلزية"، كالنحاس والمنغنيز والذهب، وغير ذلك الكثير.
شروط النجاح متوفرة، وتحديداً الموارد أولا، والكفاءات البشرية ثانيا، وقبل كل ذلك الرغبة الرسمية في تطوير الاستثمار في هذا القطاع، من خلال تحديد الموارد والثروات بشكل علمي، وبعد ذلك بدء العمل بالتعاون مع القطاع الخاص. وليس مبالغة القول إن مليارات الدولارات تقبع تحت الأرض منتظرة من يستخرجها، فيجعلها واقعا يحياه الأردنيون الذين طالما حلموا باستثمار خيرات وطنهم، بجهدهم الذي يعني فرص عمل لهم طبعاً.
للأسف، تأخرنا كثيرا في تطوير واستغلال قطاع الثروة المعدنية. لكن، وكما يُقال، "أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبداً". ولا بد من توحيد الجهود المبعثرة ووضعها تحت مظلة واحدة، لإطلاق صفارة بدء عمل أجّلته الحكومات كثيرا.