هيئة الأوراق المالية بين القرارات الارتجالية وغياب الخبرة المهنية
صنارة نيوز - 02/09/2025 - 4:17 pm
-
بقلم: د. واصل المشاقبة (مستشار اقتصادي)
ان قرار الحكومة الاخير بتعيين مجلس مفوضي هيئة الاوراق المالية يكشف بوضوح حجم القصور الاداري الذي يضعف اداء مؤسساتنا الوطنية الاقتصادية، كما يؤكد غياب المعايير المهنية في اختيار الاشخاص المكلفين بادارة واحد من اكثر القطاعات حساسية وتعقيدا.
فالمجلس، الذي يفترض ان يتالف من خمسة خبراء يمتلكون خبرة عملية ومعرفة شاملة بالجوانب القانونية والتنظيمية والفنية لاسواق المال، يضم اسماء تفتقر الى ابسط مقومات المعرفة والاختصاص. ان يكون الرئيس مجرد مدقق حسابات خارجي بلا خبرة اقتصادية او ادارة اسواق مالية او قانونية شاملة، وان يقتصر سجل احد الاعضاء على عمله كوسيط مالي، فيما يخلو الباقون من اي خبرة فنية جوهرية، هو دليل صارخ على غياب المهنية في عملية الاختيار وتجاهل سافر لنص وروح قانون الاوراق المالية الذي ينص بوضوح على شرط الخبرة والاختصاص.
ان سوق الاوراق المالية ليس مجرد منصة تداول عادية، بل هو نقطة ارتكاز (fulcrum point) حاسمة تتقاطع عندها انظمة التداول، وقوانين الشركات والبنوك، وتمويل الاستثمارات، وتسجيل الملكيات، واليات مكافحة التلاعب، وحماية المستثمرين. وهذه المهام الجسيمة تستوجب مجلسا يتمتع بكفاءة عالية وخبرة عملية عميقة في قيادة هذه المؤسسة الرقابية المهمة، لا مجموعة اسماء جرى انتقاؤها بلا تمحيص وكأن الهيئة مجرد موقع للتوظيف والتكريم. النتيجة الحتمية لهذا النهج المخالف لاصول المهنة هي للأسف اضعاف المؤسسات الثلاث التي يقوم عليها السوق: الهيئة الرقابية، وبورصة عمان، ومركز الإيداع، وهو ما يعني تعميق ازمة السيولة، وتراجع جاذبية الاستثمار، وحرمان الشركات الاردنية من مصدر تمويل حيوي.
منذ تأسيس الهيئة عام ١٩٩٧، التزم الاردن الى حد ما بالمعايير الدولية التي تفرض وجود مجالس قوية قادرة على صون الثقة وحماية السوق كوعاء ادخاري امن ووسيلة جذب للاستثمار الإقليمي والدولي. للاسف، التعيين الاخير ينقض هذا الالتزام، ويعيدنا إلى دائرة القرارات الارتجالية التي كلفت السوق ثمنا باهظا منذ أزمة 2008.
المطلوب اليوم ليس مجالس صورية ضعيفة تفتقر للرؤية والخبرة، بل قيادة مؤهلة تمتلك الادوات والمعرفة والخبرة الفنية والسوقية لتطوير وتحسين ما تم انجازه في هذا القطاع المهم. هذا من اجل خدمة أردننا الحبيب بكفاءة ونزاهة، وضمان قدرة السوق على تحقيق اهدافه الاقتصادية العليا المرتبطة برؤية التحديث الاقتصادي.
لقد أكد جلالة سيد البلاد الملك عبدالله الثاني حفظه الله مرارا ان "ثقة المواطن بمؤسسات الدولة هي الاساس في نجاح مسيرة الاردن الاصلاحية"، وشدد على ضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لضمان كفاءة الاداء المؤسسي وخدمة المصلحة العامة.