اربطوا الأحزمة للانطلاق إلى عالم ماسك الخيالي!

صنارة نيوز - 16/11/2024 - 9:32 am

القدس العربي : سامح المحاريق

 

 

ينطبق المثل الشعبي (ما محبة إلا بعد عداوة) على الثنائي ترامب ـ ماسك بصورة تستدعي بعضا من السخرية، خاصةً أنه لم يتضح إلى اليوم من الذي تغير؟ ومن تمكن من احتواء الآخر؟ ليصلا معا إلى هذه النقطة العبثية، التي ما كانت إلا لتثير سخرية كتاب السيناريو في هوليوود لاستخدامها المفرط للخيال.
قبل ثلاثين عاما كان الشاب أيلون ماسك يتوجه لمتابعة دراسته في الولايات المتحدة، بعد صعوبات واجهته في الحصول على تأشيرة الدخول، وفي ظل الفضاء المعقول للاحتمالات، فإن فرصه للحصول على وظيفة مرموقة، أو حتى تأسيس شركة ريادية، تجعله مليونيرا في سنوات قليلة كانت قائمةً إلى حد بعيد، ولكن الحديث بدأ يتحول إلى المليارات، أي أن فضاء الاحتمالات أخذ يتمدد ليضعه في خانة أصحاب المليارات، ويقفز به إلى الإقامة شبه الدائمة في قمة أثرياء العالم، وكان النموذج  الذي يقدمه ماسك غير مقبول بالنسبة لترامب، فالشاب القادم من جنوب افريقيا، من وجهة نظر ترامب، تسلق على أكتاف الأمريكيين ليحصل على إعفاءات كثيرة للسيارات الكهربائية، التي هددت صناعة السيارات التقليدية بوصفها أحد حصون الأمريكيين الفقراء البيض.

يبدو ترامب مطالبا بتحقيق فورة اقتصادية عاجلة يمرر من خلالها برنامجه الذي يستهدف الدولة العميقة، ويتخلص من مئات آلاف الموظفين، الذين لا يحمل إجابات حول مصيرهم بعد مغادرة مواقعهم الوظيفية

تلاسن ترامب وماسك قبل سبع سنوات، ووصل الصراع بينهما إلى درجة أن يقوم ماسك بحذف اشتراك الرئيس الأمريكي من موقع تويتر (X لاحقا)، إلا أنهما عادا من جديد بما يتجاوز الصداقة، أو التعاون، إلى تحالف وثيق يبدو مقلقا على مستوى صياغة عالم المستقبل، خاصةً بعد التقارير التي بدأت تتوارد حول إجراء ماسك لمقابلات مع مرشحين لوظائف مهمة، سيعلن عنها ترامب في الفترة المقبلة، وذلك بعد القرار المفاجئ بأن يضطلع ماسك بإدارة مستحدثة هدفها المعلن، إعادة هيكلة البيروقراطية الأمريكية كخطوة في طريق تفكيك الدولة العميقة، وخارج هذه المصطلحات، ضرب فكرة المؤسسة نفسها، بحيث يصبح الرئيس خارج أي مساءلة. ما الرهان الذي يجعل ترامب وماسك يتصرفان بهذه الشهوانية السياسية، ولا يتورعان حتى لانتظار بضعة أسابيع، ليصبح ترامب في المكتب البيضاوي؟ وهل ينتبهان إلى حقيقة بسيطة مفادها، أن ترامب ـ مستندا إلى هبة واسعة من اليمين الأبيض، ولا مبالاة بالمرشحة كامالا هاريس ـ تحصل على فوز عريض على مستوى المجمع الانتخابي، ولكن ذلك لا يعكس أن فوزه في الانتخابات، وفي ظل وجود منافسة ضعيفة، لم يتحصل على الفوز نفسه على مستوى الاقتراع الفردي، فكل ما بحوزته هو 50.2% من أصوات الناخبين، فهل يتوقع أن يتمكن من فرض إرادة متطرفة في قراراتها مع هذا الهامش البسيط؟
يبدو ترامب مطالبا بتحقيق فورة اقتصادية عاجلة ـ تشعر الأمريكيين بانتعاشة تسحبهم لحالة من النشوة، يمكن من خلالها أن يمرر برنامجه الذي يستهدف الدولة العميقة، ويتخلص من مئات آلاف الموظفين، الذين لا يبدو أنه يحمل إجابات حول مصيرهم بعد مغادرة مواقعهم الوظيفية، ولا عن البديل الذي يفترض أن يحل مكانهم، وما هي طبيعة الصراع الاجتماعي التي ستنشأ عن ذلك؟
بالنسبة لرجلين تمتعا في حياتهما بكثير من الحظ، فإن تحيزهما الذهني هو استمرار العوامل المؤثرة لمصلحتيهما، وقد تسكنهما في لحظة ما، فكرة أنهما مرسلان من السماء، التي تتواطأ لتحقيق إرادتيهما، وبالمناسبة، فعلى الرغم من الإرهاق الذي تشكله الكتابة بصيغة المثنى، إلا أنها تبدو الخيار المناسب عند الحديث عن الوضعية القائمة، وانكشافها بهذه الصورة بعد فوز ترامب ليتضح، أن ماسك لم يكن دوره ينحصر في الداعم المتحمس المحبط من اليسار الأمريكي، ومن الليبراليين التقليديين، متوجها إلى اليمين المحافظ، ولكنه أخذ يظهر شريكا كاملا في مشروع يتخطى الفترة الرئاسية الواحدة، ويؤمن بما يتجاوز الصفقة ليصل إلى تطبيق الصدمة، ومثل من يركب اللعبة الخطرة في الملاهي، المعروفة، بقطار الموت، ويتشبث بالعارضة الحديدية، متأكدا أن البيئة من حوله لن تعرضه لمخاطر جدية؟ يتطلب هذا الافتراض وما تصاحبه من ثقة التيقن من فقدان الشعب الأمريكي لحيويته، والوصول إلى مرحلة من السلبية، ربما تكون صفة عامة على المستوى العالمي في عصر التكنولوجيا وأدواتها، أو نتيجة طبيعية للتهالك المستمر للدولة الحديثة المتواصلة لنحو قرنين من الزمن، وفقا للفرضيات والتفاصيل نفسها، فهل يصبح الثنائي المرح القادم من عالم عبثي وليس كوميديا بالضرورة، عالم الكازينو والماريجوانا، العامل المحفز لمرحلة ما بعد الدولة، وهل يكون ذلك بانطلاق نزعات انفصالية مع تحرير منظومة التعليم من المركزية، في خطوة مبكرة جدا من ترامب، وداخل هذه الخريطة الانفصالية، بافتراض أن الحرب الأهلية لن تكون واردةً من الأساس، هل تصبح الخريطة السكانية أداة فرز لمدن ومجتمعات منفصلة، تصبح رهينة لشركات خدمية عملاقة تقوم بإجراء التسويات اللازمة لحياة سكانها، وتتولى الشركات التحالفية المفتوحة لمن يستطيع أن يدفع الثمن مسؤولية تخصيص الموارد، وبالصيغة الاستغلالية نفسها، التي تعيد إنتاج نفسها عبر الأنظمة الاقتصادية من إقطاع إلى رأسمالية!
الرجل الذي لم يكن يتورع عن تدخين الماريجوانا علنا، يمتلك الفرصة لترجمة خيالاته في عالم يبدو أنه وصل من التهالك إلى مرحلة تجعله صلصالا مطاوعا لمغامرات نوعية مشكلتها أنها يمكن أن تكنس في طريقها مئات الملايين من البشر، أم أن ما يحدث هو دورة طبيعية ومنطقية للزمن تشابه صعود الفاشية في أوروبا قبل مئة عام، وكان يشكل التخلص منها، خسارة عشرات الملايين من البشر أيضا، على أية حال، فالعالم خلال السنوات المقبلة سيكون مختلفا عما نعرفه اليوم، في كل مكان وعلى جميع المستويات، أما التصور النهائي، فيبدو من المتعذر تخمينه لأن من يقودونه أشخاص غير مستقرين نفسيا في مواجهة مجتمعات منهكة من تتابع الأزمات في السنوات الأخيرة.