العرب و مبررات الفشل

صنارة نيوز - 2017-03-31 20:22:36

بقلم الدكتور عزمي حجرات

31 اذار 2017

في العالم العربي العمل السياسي و الحزبي لم يظهر نتيجة مطلب اجتماعي سعيا للحصول على الديمقراطية، بل كانت نتيجة ضرورات وطنية في حقبة النضال ضد المستعمر، فتشكلت الاحزاب التاريخية سعيا للاستقلال و مواجهة المستعمر و استرداد السيادة، فتمحور دور الاحزاب السياسية في النضال الوطني و التعبئة و شحذ وجدان الامة من اجل المقاومة، و لم يكن في الحسبان تطوير هذه الاحزاب لخلق مؤسسات قادرة على انتاج مجتمع مثقف سياسيا قادر على المشاركة في العملية الديمقراطية لتعزيز التنافس السياسي على اساس من التعددية.

من هذا السياق التاريخي، توارثت الامة العربية فكرة التآمر المستمر ضد مستقبلها، و ان هناك دوما من يقف خلف الباب متحيزاً الفرصة لاغتصاب الوطن من الخليج الى المحيط، فكان الفشل حليفاً لكافة الحكومات العربية التي لم تستطع ان تخرج من عباءة مقاوة المستعمر الذي لم يعد له وجود الى حيز البناء و التقدم، فبقينا حيث نحن و سبقنا الاخرون بالف عام من التقدم في كافة المجالات.

و لما لم تجد تلك الامة اي مبرر لهذا الفشل الذريع و المؤلم، و الذي قد يؤدي في حال لم يبرر الى ثورة الشعوب، اوجدوا لنا اكذوبة الصهيونية و الماسونية، و تناقلنا دون شعور او فهم نظرية المؤامرة الكبرى، فاصبحت الشعوب تتحدث بهذه القصص الخرافية، و امنت بها حتى اقتنعت في صميمها ان العالم متامر ضدنا و ان 0.0001 من سكان الارض يديرون بكل كفاءة 7 مليار انسان و يتحكمون بمصيرهم.

أستغرب من الامة الاسلامية كيف لم تتفكر في قوله تعالى في سورة الرعد (و رزقكم في السماء و ما توعدون، فورب السماء و الارض انه لحق مثل ما انتم تنطقون)، و عندما جلست استمع الى احاديث العامة التي يؤكدون فيها ان الغرب افلت علينا النساء و الخمر و القمار كي يلهينا عن دين الله، وجدت ان كتاب الله قد حذر المسلمين فقال تعالى في كتابه العزيز (زين للناس حي الشهوات من  النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الانعام و الحرث ذلك متاع الدنيا و الله عنده حسن مآب) 14 الى عمران، و ادركت ايضا ان القمار و الخمر وجدت منذ الازل فقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان) 90 المائدة، اما عبادة الشيطان التي لم يدرك العالم العربي انها وجدت مع بداية الصراع بين آدم عليه السلام و ذريته مع الشيطان الرجيم فقال تعالى (الم اعهد لكم يا بني ادم الا تعبوا الشيطان انه لكم عدو مبين)  60 يس.

و لكن يبدوا ان العالم الاسلامي و العربي بالذات اراح فكره و سعى جاهدا الى تبرير ما يعيشه اليوم امام نفسه من الفشل الذي لا يوجد له ما يبرره، و رضيت الشعوب العربية بان تجد لانكسارها مبررا كي تستسلم لهذا الفشل و تبقى في مؤخرة الامم فاقنعت نفسها بان الصهيونية تتحكم بمصيرها و ان الماسونية اداة تستخدمها الصهيونية لغسل ادمغت الامم، ادواتها الخمر و النساء و القمار و عبادة الشيطان و الانحلال الخلقي و الابتعاد عن الدين، و التي ما هي الا سلوكيات انسانية وجدت على مر العصور، و ما كان وجود الرسل و الانبياء الاخيار الا لمعالجة البشر من هذه الافة و الاخذ بيدهم الى بر الامان.

اننا اليوم احوج ما نكون الى نهضة فكرية لتنقل هذا الوطن الذي دخل عصر الجهل و ما عاد قادرا بشعوبه التي استسلمت للخرافة ان يحقق اي انجاز او يضمن الامان لمستقبل الاجيال التي ستاتي من بعدنا، نحن اليوم بحاجة الى مراجعة شاملة مع ثقافتنا الاجتماعية التي اصبحت تسعى لتبرير الفشل و الانكسار لا ان تبحث عن طرق للنجاح و النهوض من تحت الرماد، ضاعت فلسطين و من بعدها العراق، و اليوم ننظر الى سوريا و اعيننا تفيض دمعا و ندعو الله ان يحمي اليمن و ان تنتهي قضية الصراع في مصر و ليبيا و ان لا يلحق فيمن بقي من العرب ما لحق بهذه الدول، اليوم اما ان نكسر قيد الجهل و التخلف او ان نرضى بالعبودية لهذا الموروث الثقافي الذي لن يزيدنا الى خسارا و ان نبقى نبرر فشلنا اعتمادا على خرافة المؤامرة الكبرى و الدور الصهيوني و السيطرة الماسونية على الكون.

الدكتور عزمي حجرات