بينما يتجول السياح في باريس فإن الأدلاء عادة ما يتوقفون عند أحد المقاهي ليخبروا السائح بأن هيمنجواي كان يجلس هنا، أو أن ذلك كان المقعد المفضل لسارتر أو بيكاسو، وربما ليست عمان بالمدينة التي يمكن أن تزاحم باريس في أسماء نجومها الفكريين والثقافيين والسياسيين، ولا بالطبع في مكانة المقهى أو الملهى في الثقافة اليومية، ولكن بالتأكيد توجد في عمان أماكن تستحق الزيارة، وتوجد لمسة من تاريخ عمان تتجاهلها أو تتناسها البرامج السياحية، وبين أماكن عمان القديمة أو وسط البلد كما درجت العادة على تسمية المنطقة التي كانت تمثل مركزاً للمدينة قبل عقود من الزمن، يأتي مطعم الكيت كات الشهير في شارع بسمان.
الكيت كات فكرة مقتبسة عن أحد الأندية الاجتماعية الانجليزية الشهيرة التي حملت نفس الاسم ومثلت محطة لاستقطاب النخبة السياسية والفكرية في الريف الانجليزي وتحديداً منطقة بيركشير القريبة من لندن، وكما كانت الأمور في بيركشير فالكيت كات في عمان كان نقطة استقطاب للنخب السياسية والفكرية ومعه مجموعة من الجيل الثاني من الوطنيين الأردنيين الذين انشغلوا على بناء المملكة وتطوير جميع بناها الاقتصادية والقانونية والتعليمية وغير ذلك،وجزءامن تاريخ لم يكتب بعد وكان الكيت كات يمثل بالنسبة لهم استراحة المحارب التي يلجأون لها من أجل تبادل الأفكار والأسرار واستعادة الطاقة بعد المجهود الكبير في الكد اليومي، وأحياناً مجرد الشكوى والمناجاة، وطبيعة المطعم العماني بإضاءته الخافتة جعلته يستوعب هذه الحالة الحميمية بالنسبة لضيوفه المؤثرين في المجتمع .
الكثير من الكتاب والشعراء حاولو الاقتراب من وصف قاع المدينة التي هي روح عمان ، ولكن أحدا منهم لم يكن يعرف أنها لا توصف، هي حالة خاصة، يمكن أن تتذوقها، أن تعيشها، أن تعشقها، ولكن لا يمكن أن تختصرها في كلمات، أن تسجنها في بعض التعبيرات عمان البهية في لحظات الغروب وموسيقى الألوان المتدرجة تعطي الغروب الذي يهبط بين المآذن والعمارات انطباعات لا يمكن أن يمنحها أي غروب في العالم، وفي الشروق، وحيث تتنفس الارواح المحملة بالامل ، ثمة مشهد لا يمكن أن يتشكل في غيرها إطلاقا،وهو الذي أعطاها الحياة فكانت قصة العاشق والمعشوق .
ككل شيء في وسط البلد شهد الكيت كات فترة من التراجع، وتحول إلى مجرد مشرب منسي في شارع بسمان في فترة التسعينيات والعقد الأول من الألفية، وتلاشت سمعته لمصلحة أماكن أخرى كان من أهمها مطعم الأوبرج والشرق، ولكن لمسة جديدة خطفت الكيت كات من اغفاءته الطويلة لتعيد له الألق من خلال تفهم شخصية عمان وسكانها، وأتى ذلك مع الفريق الذي ارتحل من الأوبرج إلى الكيت كات مؤخراً قوامه من المصريين الذين عرفوا عمان جيداً واعتبروها وطناً وليس مجرد مكان للعيش وعلى رأسهم ممدوح الجمل وعبداالله الشامي اللذين يعطيان للضيافة طعمها ورونقها الخاص، والفريق يتفهم جيداً الطابع العماني ومزاج أهل المدينة، ويحفظ عن ظهر قلب قوائم التفضيلات والأهم من ذلك المحظورات في الحياة العمانية، فطبيعة المدينة تبقى متمسكة بمجموعة من التقاليد المتوافق عليها والمتوارثة بين أجيال النخبة الأردنية عبر عقود من الزمن.
أتى التركيز أولاً على إحياء الطابع التاريخي للمشرب، وذلك دون التفريط في أقصى درجات الالتزام بجودة الخدمة، وحق الزبائن في الحصول على أفضل الخدمات ضمن الأسعار المقبولة التي تتناسب مع رواد المنطقة بشكل عام، وتحرص الإدارة الجديدة على توفير الخصوصية للزبائن وأن تفسح أمامهم مساحة من الفضفضة وبما يحترم خصوصية أحاديثهم ومناسباتهم، ولذلك فإن الزبائن التقليديين الذين يعرفون جيداً الفريق ومبادئه في العمل التحقوا بالمكان الجديد ليعطوه من نكهة عمان وأهلها، وما زال الفريق يسعى لأن يعيد للكيت كات كل الألق ليصبح المحطة الأولى لعشاق عمان وتاريخها وطقوسها.