اللجوء البيئي نوع يواجه الأردن مستقبلا
صنارة نيوز - 2016-06-19 07:21:52عمان- كشف خبراء بيئيون عن أن الأردن "سيشهد خلال منتصف القرن الحالي، تدفقا لآلاف اللاجئين، من دول عربية، وخاصة الخليجية منها، التي تمتاز بالطابع الصحراوي، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة فيها إلى معدلات غير مسبوقة، بحيث لن تكون صالحة للحياة البشرية".
ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد، إذ إن تأثيرات ظاهرة التغير المناخي "ستكون كارثية" على الأردن، برأي الخبراء، لكونها "ستنعكس سلبا على الظروف المعيشية والأمن الغذائي وعلى مصادر المياه، بحيث ستعاني المملكة خلال عام 2040 من فقر وشح شديدين في المياه".
وتؤكد دراسة صادرة عن جمعية "ماكس بلانك" الألمانية، ما جاء في تصريحات الخبراء بأن "جزءا من الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية سيكون غير صالح لحياة البشر بحلول عام 2050".
وأظهرت الدراسة، التي أجراها علماء ألمان وقبارصة، أن متوسط درجة حرارة الجو في ليالي الصيف في هذه المناطق لن يقل عن 30 درجة، بينما قد تبلغ درجة حرارة الجو في بعض أيام الصيف 50 درجة.
ونتيجة للارتفاع الهائل في درجات الحرارة، سينتقل العديد من السكان، لاسيما القاطنون في دول الخليج، للعيش في الدول الأكثر برودة، وعلى رأسها الأردن، برأي الخبراء.
ووفق مسؤولة حملات الطاقة والمناخ في الوطن العربي (إندي أكت) صفاء الجيوسي، فإن عدة دراسات تؤكد أنه "خلال نصف القرن الحالي سنعاني من تفاقم حدة الطقس، فمن أصل 16 يوما حارا في السنة حاليا، لا يمكن تحمل درجات الحرارة فيها، سترتفع لتصبح 80 يوما".
وأشارت الجيوسي إلى أن "دراسة حديثة للبنك الدولي أظهرت أن عدد أيام السنة الحارة التي ترتفع فيها درجات الحرارة بصورة غير معتادة مع الشعور بعدم الارتياح نتيجة ذلك سترتفع إلى 62 يوماً في الأردن".
ومن المتوقع، وفق الدراسة، أن "تزيد من 8 إلى 90 يوماً في بغداد، ومن يوم واحد إلى 71 يوماً في دمشق، فيما ستشهد كل من بيروت والرياض أعلى مستوى من الزيادة في ارتفاع درجات الحرارة، حيث سيصل عدد الأيام الحارة إلى 126 و132 يوماً في السنة على التوالي".
وأوضحت أنه في "سيناريو ارتفاع الأربع درجات مئوية، تشير التنبؤات إلى أن متوسط عدد الأيام الحارة سيتجاوز 115 يوماً في السنة في جميع هذه المدن، ما سيجعل فصل الصيف طويلاً وحاراً للغاية".
وتوقعت أنه "في منتصف القرن الحالب سيعاني الأردن من أزمة لاجئي مناخ، حيث سينتقل السكان من المناطق الصحراوية الى الأماكن الأكثر برودة، بسبب تدني قدرتهم على تحمل الحر الشديد".
ولفتت إلى أن "ما نسبته تقريبا 60 % وأكثر من فاقد المياه في الأردن، بسبب سوء الإدارة والأنابيب المهترئة".
ووفقا لتقرير آخر نشره البنك الدولي، بعنوان "اخفضوا درجات الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد"، العام الماضي، ثبت أن زيادة درجات الحرارة يضع موارد المياه الشحيحة أصلا تحت ضغط شديد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع عواقب وخيمة على البشرية، كالحياة والأمن الغذائي الإقليمي.
ووفق الجيوسي "لا بد أن تضع الحكومة، في ظل تلك المعطيات، خططا للمواجهة عبر الاستفادة من أنظمة الحصاد المائي ومعالجة المياه العادمة على مستوى حميع المحافظات".
وشددت على أهمية البدء بإجراءات التكيف مع ظاهرة التغير المناخي، منوهة الى ان المخاطر الناتجة عن التغير المناخي لها أيضا أبعاد سياسية من حيث الضغط على الموارد الطبيعية والهجرات بين الدول والمناطق.
وكانت وزارة المياه والري حذرت في تصريحات سابقة، من أن الأردن "سيعاني من نقص حاد في المياه، نظرا لتراجع الموارد المتاحة المتجددة من المياه العذبة، والذي ينعكس على نصيب الفرد من المياه ليصل إلى 72 مترا مكعبا سنويا، مع اتساع الفجوة بين الطلب والمتاح".
ورغم وجود تداول تلك المفاهيم والمعلومات حول تأثير ظاهرة التغير المناخي لسنوات عديدة، فقد تم التركيز على "هجرة المناخ" أو "لاجئي المناخ" في الآونة الأخيرة، خاصة عند الحديث حول اتجاه عدد من اللاجئين السوريين الى دول أوروبية، وفق المدير التنفيذي لجمعية "إدامة" ربى الزعبي.
واعتبرت الزعبي أنه من "البديهي أن يبحث اللاجئ عن بقعة تتوفر فيها الموارد الأساسية لحياة كريمة وآمنة، بما في ذلك البيئة والموارد الطبيعية الضرورية".
لكن الأهم، في رأيها، "التطرق إلى الآثار السلبية الجسيمة التي يسببها التغير المناخي على الموارد الطبيعية، والتي تؤدي إلى تفاقم المشاكل الموجودة أصلا، مثل شح المياه والإدارة التقليدية للنفايات الصلبة، وزيادة عجز البنية التحتية للمدن، والخدمات البلدية، وما إلى ذلك".
وبحسبها، يستضيف الأردن 600 ألف لاجئ سوري مسجل، إضافة الى ما يقارب المليون ممن يقطنون المدن الأردنية المختلفة، خاصة في محافظات الشمال.
وشددت الزعبي على أن "التغير المناخي يضيف عبئا مضاعفا إلى الجهود اللازمة للاستجابة لحاجات اللجوء، وبما يضمن حلولا فعالة على المدى البعيد للتبعات التي يمكن أن يتركها هذا الضغط المفاجئ والكبير، على موارد المملكة المائية والطبيعية".
وحول معاناة الدول العربية، قالت إن "التغير المناخي كغيره من التحديات البيئية، لا يعرف الحدود السياسية، أو الجغرافية، ولا بد أن تعي الدول العربية أن حلول مشاكل الطاقة والمياه والبيئة لن تنجح إلا بالعمل الجماعي وبما يحقق أمن المنطقة واستقرارها الاقتصادي والاجتماعي".
وشددت على أن "هنالك فرصا حقيقية للابتكار وللاستثمار في مدن ومجتمعات أكثر استدامة ومرونة، حيث يعي الخبراء والمستثمرون أهميتها، معتمدين في البدء فيها على جاهزية الأردن لبلورتها، من خلال مشاريع اقتصادية وتنموية مستدامة، توفر خدمات بنى تحتية أفضل، وفرص عمل جديدة، وتحول إلى تكنولوجيا رفيقة بالبيئة".
وكان تقرير جديد لحالة الطاقة في العالم ذكر أن الطاقة المتجددة توفر الآن ربع احتياجات العالم من الطاقة.
وأوضح تقرير الوضع العالمي للطاقة، أن الطاقة النظيفة توفر نحو 23.7 % من الكهرباء في العالم منذ انتهاء 2016، بعد أن استطاعت توفير 147 غيغاوات للاستخدام العالمي، وفقا لـ"شبكة سياسات الطاقة" (REN 21).
ويعد اتفاق باريس، الأخير الذي جرى توقيعه من قبل أكثر من 170 دولة "خطوة تاريخية"، في مواجهة تبعات ظاهرة التغير المناخي، في رأي مدير برنامج سياسات الطاقة والمناخ في مؤسسة فريدرش أيبرت حسين الكسواني.
ويقول الكسواني: "رغم أنها خطوة (فقط) في الاتجاه الصحيح، بحسبه، إلا أن تطبيق الاتفاقية لا يتأتى إلا بالتصديق من خلال البرلمانات في الدول الموقعة (ratification)، وبالتالي دخولها حيز التنفيذ، وهذ يتطلب توقيع ٥٥ دولة على الأقل على أن يكون مجموع انبعاثاتها يتجاوز ٥٥% من الانبعاثات في العالم.
وأضاف أن "العالم سيشهد ارتفاعا غير مسبوق في الحرارة منذ بدأ تسجيلها عام 1880، فمثلا كان عام 2015 الأكثر حرارة على الإطلاق، فيما يبدو العام الحالي وكأنه متوجه لكسر هذا التسجيل".
وأكد أنه "يجب الاستعداد محليا لموجات حر أكثر وأشد، ولكن لا أعتقد أنه بحلول 2050 سيكون هنالك خطر يهدد العيش للمجتمع، وهذا لا ينفي وجود آثار شديدة".
واعتبر أن دراسة "ماكس بلانك" تشير إلى "خطر التغير المناخي على دول الخليج ، من خلال زيادة موجات الحر القياسية (وهنا الخطر الأكبر) وتعديها قدرة المجتمع على التكيف مع الحرارة المرتفعة (التكييف والأساليب الأخرى).
وضرب الكسواني مثالا على وجهة نظره السابقة بأن "الهند والباكستان هما دولتان حارتان نسبياً، لكن موجات الحر الأخيرة أدت الى حدوث وفيات فيها، لأنها تعدت قدرة المجتمع على التكيف مع درجات الحرارة العالية".
وفي مسألة التكيف مع ظاهرة التغير المناخي، أكد أنه يجب على المفاوضات في الأعوام القليلة المقبلة حتى 2020، إيجاد آليات لتوفير التمويل للدول المتأثرة، والذي يشكل معضلة حقيقة أمامها.
ويرمي اتفاق باريس الذي وافقت عليه مجموعة الـ77 + الصين (134 دولة ناشئة ونامية)، إلى احتواء ظاهرة الاحتباس الحراري "لإبقاء ارتفاع حرارة الأرض، دون درجتين مئويتين".
وورد في نص الاتفاق، أنه "ستقدم مساعدة للدول النامية لتواجه ظاهرة الاحتباس، بـ100 مليار دولار سنويا في العام 2020، وسيكون هذا "سقفا" تجب مراجعته لزيادته بحسب الاتفاق.
وستنعكس التأثيرات السلبية لظاهرة التغير المناخي على قطاعي المياه والغذاء في الأردن، وفق ما أكده مسؤول الحملات في منظمة السلام الأخضر جوليان جيرستي.
ودلل على رأيه بأن "إنتاج المحاصيل في الأردن سينخفض إلى نحو 30 % في حال ارتفاع درجات الحرارة من 1.5 الى 2 درجة مئوية بحلول عام 2050.
على أن الإنتاج سينخفض إلى 60 % في حال ارتفاع درجات الحرارة الى 4 درجات مئوية بحلول نهاية هذا القرن، بحسبه.
ويحدد الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بأن منطقة الشرق الاوسط وأفريقيا الاكثر تأثرا بظاهرة الاحتباس الحراري، ولا سيما تلك المتعلقة بندرة المياه، تبعا له.
ولفت الكسواني إلى أن العديد من الدراسات والتقرير، خاصة تلك الصادرة عن البنك الدولي، تفيد بأن ارتفاع درجات الحرارة في الشرق الأوسط "ستكون كارثية" وتؤثر على ظروف المعيشة والأمن الغذائي.
وشدد على أن الشرق الأوسط "بالفعل لن يكون صالحا للحياة البشرية وخاصة في دول الخليج الاكثر تأثرا بظاهرة التغير المناخي، التي ستصل فيها درجات الحرارة الى نسب "لا يمكن احتمالها"، وتجعل من ممارسة الأنشطة في الهواء الطلق أمرا مستحيلا.
وضرب مثالا على ذلك بأن تأدية مناسك الحج والعمرة ستكون أمرا في غاية الصعوبة، وذلك لأنه خلال 30 عاما ماضية، أظهرت نماذج المناخ أن درجات الحرارة في الدول العربية ارتفعت بنحو 50 %، وبشكل متسارع عن المعدلات العالمية.
ويشير تقرير البنك الدولي السابق، إلى أن "غلة المحاصيل الزراعية في الأردن ومصر وليبيا، قد تنخفض 30 % بحلول عام 2050، إذا ارتفعت درجات الحرارة بين 1.5 و2 درجة مئوية.
ووفق تقرير البلاغات الوطنية الثالث فإن المملكة سشهد تراجعا ملموسا في هطول الأمطار في المناطق الغربية، فيما سيزيد هذا التراجع في المناطق الجنوبية والشرقية بنسب تصل إلى 30 %
في بعض الحالات.