عندما يصدر تقرير عن البنك الدولي يكتسب أهمية ومصداقية قد يستحقها وقد لا يستحقها. وفي جميع الحالات يظل التقرير اجتهاداً يقبله من يشاء ويرفضه من يشاء.
في العلوم الاجتماعية والاقتصادية لا توجد حقائق مطلقة بل نظريات تصدق في حالات ولا تصدق في حالات أخرى ، وتظل خاضعة للنقد والتطوير والتغيير ، فما ينطبق على تونس مثلاً قد لا ينطبق على ليبيا.
حاول احد تقارير البنك الدولي أن يفسر قيام الربيع العربي كثورة ذات جذور اقتصادية (الفقر) واجتماعية (البطالة) وسياسية (قمع الحريات) ، أشار إليه وعرض بعض مضامينه الدكتور مروان المعشر.
المعشر أبدى دهشته من خروج البنك عن طوره ، إذ يقترح عقدا اجتماعيا جديدا بين الشعوب العربية وحكامها ، يتضمن حرية التعبير ، وحق المشاركة في صنع القرار ، والسماح للقطاع الخاص بخلق فرص عمل ، وهي شؤون داخلية للدول الأعضاء كان البنك الدولي - كما يقول المعشر- ينأى بنفسه عن التدخل فيها.
النظرية الشائعة التي أخذ بها كثيرون وتبناها تقرير البنك الدولي هي أن ما حدث قي تونس ومصر وليبيا وسوريا هو حركة احتجاج قام بها فقراء وعاطلون عن العمل وأصحاب أفكار تقدمية مقموعة.
هذا التفسير جذاب ، ويكاد يكون مقنعاً ، فهذه العوامل موجودة ، ولها دور في توفير المناخ المناسب ، ولكن المحرك الحقيقي سياسي بامتياز ، ولعل أبرز مثال على ذلك سوريا التي لم تعان ِ من بطالة وفقر ، وحققت الاكتفاء الذاتي مالياً وغذائياً ، ولم تتورط في المديونية ، ويتمتع سكانها بالتأمين الصحي الشامل والتعليم المجاني.
ما حصل في سوريا لا يعود لعوامل اقتصادية واجتماعية ، فقد أطلقت الشرارة جماعة الإخوان المسلمين بهدف قلب النظام العلماني وتحويل سوريا إلى دولة دينية تحت حكمهم ، خاصة بعد أن برز الإخوان في تونس ومصر ووصلوا إلى السلطة بمباركة أميركية صريحة.
الربيع العربي فشل في الأردن بالرغم من توفر الفقر والبطالة ، واستطاع النظام أن يتماسك ويمتص حراك الشارع الإخواني ، ليس بالقمع ، وليس بخلق فرص عمل ، وليس بالقضاء على الفقر ، بل عن طريق محاربة الفساد وتسريع الإصلاح السياسي ، مما يسحب البساط من تحت أقدام أصحاب الأصوات العالية ، كما أنه أشرف من بعيد على تفجير الجماعة من الداخل باعتبار أنها المصدر الحقيقي للخطر.