حين تكون حافلات النقل العام ملكية فردية.. وحين يكون للتاكسي مالك واحد يوظف سائقين للأربع والعشرين ساعة.. واحياناً سائقاً واحداً لست عشرة ساعة.. وحين يختصر صاحب الحافلة او التاكسي الموضوع بضمان لسيارته يومي قدره 30 ديناراً.. فمن الصعب على اي حكومة ان تنظّم النقل العام، وتريح الشارع المكتظ، وتعطي المواطن وسيلة ركوب عملية ومريحة تنقله من بيته الى عمله، وترغم الحكومة والمواطن على ترف شراء سيارة خاصة تنقله من بيته الى المواقف غير المتوفرة.. فيصبح الشارع كراجاً.
حين كانت اسعار المشتقات النفطية تصعد كل شهر، كانت اجور النقل العام ترتفع، وهذا طبيعي!!.
الآن تهبط اسعار النفط بنسبة تتوازى من 117 دولاراً لبرميل النفط، الى 28 دولاراً، لكن الاجور تبقى كما كانت، وحين «تأمر» الحكومة بتخفيض الاجور بنسبة 10%، تقوم القيامة.. وأدعو السامعين لاذاعات الـ FM الكثيرة متابعة المكالمات الهاتفية للمحتجين السواقين.. وليس لاصحاب الحافلات وسيارات التكسي والسرفيس.
آخر ما سمعته من الثائرين السواق:
- ماذا افعل بخمسة دنانير اعود بها الى البيت؟
- كيف تطالبنا الحكومة (هكذا الحكومة) بدفع هذه الغرامة (هكذا الغرامة) بقرار مثل هذا القرار الجائر؟
طبعا السائق ليس مطالباً بتخفيض راتبه 15% والمطالب هو صاحب وسيلة النقل، ولكن لماذا يحتج اذا كان عنده هذا النمط من الثوار؟
اكثر اصحاب وسائل النقل يضمّنون الباص والتكسي والسرفيس بمبلغ مقطوع، والعارفون باقتسام دخلها بين المالك والضامن-الذي هو السائق-يعرفون ان الحصة الاكبر هي حصة السائق، ولذلك فهو غير معني بالضمان الاجتماعي وغير معني بالتأمين الصحي.
إن غياب ادارة عاقلة للنقل العام يؤدي الى ما هو اكثر من الخسارة في مشروع الاستثمار في حافلة يساعد نائب العشيرة في استحصالها من الدولة باسم الديمقراطية، والتهديد بحجب الثقة او فضح المعني.. تحت القبة، فالحافلة بعد استغلال مهلك تصبح «آيلة للسقوط» بعد عشرين عاماً من عدم الصيانة والسياقة الطائشة، فمن يجرؤ على وقف ترخيصها رغم ان الحكومة مستعدة لخصم جزء من الجمارك وجزء من الرسوم اذا جددها صاحب الحافلة او التكسي او السرفيس؟!
التاكسي يلف في الشوارع، يطارد الراكب فيصرف اكثر من نصف ثمن البنزين اللازم لعمله لو ان هناك مكتباً للتكسي، أو أن هناك وسيلة اتصال، او ان هناك مواقف للتكسي، لكننا نصرّ على اصطياد الراكب، ومزاحمة السيارات في الشوارع، وتحويل العاصمة الى مكان غير مريح للسكن او للتسوق او للمشي فيه.
حين نفقد النظام الذي تحتاجه المدينة الحديثة تتحول الحياة الى عقوبة، فالفوضى هي العدو الحقيقي للاستقرار، قبل داعش والنصرة وقبل الارهاب، وانا اعتقد ان كارثة السير في العاصمة والمدن.. إرهاب.