من ربيع للحرية والعدل إلى غالبية تدافع عن نفسها

صنارة نيوز - 2016-01-27 14:42:09
ياسر الزعاترة

لم ينطلق الربيع العربي على أي أساس طائفي أو عرقي، وفي الميادين نزل الجميع، وإن كان من طبيعة الأقليات أن تنحاز للوضع القائم وتخشى التغيير، وهو ما يفسر بعض التحفظ في مواقفها، كما في حالة أقباط مصر مثلا، لكن الثورات لم تتبن أي خطاب طائفي أو عرقي، بل كان عنوانها هو التخلص من الفساد والاستبداد وتكريس دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع بصرف النظر عن العرق والدين أو المذهب. حتى في سوريا التي شكلت منعطفا جديدا في مسار الربيع؛ كان الهتاف الأبرز في الميادين “واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد”، قبل أن ينهمر الرصاص على رؤوس الناس لستة شهور، ويضطروا تبعا لذلك إلى حمل السلاح، ويذهب الأمر نحو بعض الخطاب الطائفي بسبب انحياز الأقلية التي ينتمي إليها الرئيس لإجرامه. مع سوريا، بدأت المعضلة، إذ لم تتحول إلى محطة إجهاض للربيع العربي برمته، بل تحوّلت إلى محطة حرب مذهبية، في ظاهرها على الأقل، لا سيما حين انحازت غالبية بين الأقليات الأخرى إلى جانب النظام والأقلية التي تدعمه، ودخول العنصر الجهادي على الخط. كان العراق قبل ذلك يعيش مرحلة طائفية بامتياز في ظل المالكي وبدعم إيراني. وبدخول إيران على خط سوريا بالقوة تعزز البعد المذهبي، ثم انفجر على نحو رهيب بعد هيمنة الأقلية التابعة لإيران على اليمن بقوة السلاح. هكذا، وبدل أن نكون إزاء مسيرة ربيع عربي تطلب التخلص من الفساد والاسبتداد، أصبح المواطن العربي الذي ينتمي للغالبية في هذه المنطقة مضطرا إلى الانحياز حتى لأنظمة استهدفت الربيع العربي، وذلك من أجل أولوية أخرى بدت أكثر إلحاحا تتمثل في مشروع توسع مجنون تفوح منه الرائحة المذهبية. وإذا كان قد قبل مضطرا في السابق للقبول بواقع عراقي تابع لإيران في ظل تخاذل عربي، فقد كان من العسير عليه القبول بذبح السوريين الراغبين في الحرية، فضلا عن اليمنيين الذين كانوا يحلمون بترجمة ثورتهم النبيلة واقعا جديدا في بلدهم. على هذا النحو وقع الانقلاب في طبيعة الحراك السياسي في المنطقة، إذ انتقل من مرحلة الثورة ضد الطغيان والفساد، إلى مرحلة مواجهة العدوان، وهو هذه المرة العدوان الإيراني، وليس العدوان الصهيوني الذي استمتع على نحو استثنائي بوضع لم يحلم به على الإطلاق من حيث استنزاف جميع خصومه. لم تنس غالبية الأمة قضيتها المركزية ممثلة في فلسطين، وحين اندلعت المواجهة بين حركة حماس وبين الاحتلال عام 2014، ما لبثت فلسطين أن عادت إلى الواجهة، مع أن القتل في سوريا لم يتوقف، بل ربما كان بمستوى أكثر شراسة من هجوم العدو الصهيوني. السياسة أولويات، وأن تضطر الغالبية في هذه المنطقة إلى مواجهة العدوان الإيراني، لا يعني التخلي عن أولوية مواجهة المشروع الصهيوني، لكن المشهد يقول إنها غالبية تتعرض لعدوان أقلية، تسعى لكسب أقليات أخرى إلى جانبها، وهو وضع شاذ لا يمكن القبول به، وما دام العدوان على الغالبية قائما، فإن الحريق سيتواصل، لا سيما أنها غالبية لم تعرف الاستسلام يوما، وسيرتها في مواجهة المعتدين والمستعمرين على مدار التاريخ شاهدة.

(الدستور 2016-01-27)