ملامح تحت الصيانة: دليل البقاء في زمن الفيلر كيف نعيش بوجوهٍ منفوخة… وضمائر منكمشة؟

صنارة نيوز - 20/10/2025 - 1:12 pm

 

 كتب - منار الزواهرة

في زمن صارت فيه المشاعر قابلة للحقن، والملامح قابلة للمسح،
صار عندنا جيل كامل من الوجوه في حالة "تحديث تلقائي"
ما بتعرف إذا اللي قدامك إنسان، ولا منتج تجميلي قيد التجربة
بتحكي معه، ما بتحرك وجهه، بس تسمع صوت حنون بقول

"النتيجة طبيعية جدًا"

بس لا تقلق، مش هو لحاله تحت الصيانة
الكل تحت الصيانة
وجوه، علاقات، ضمائر، حتى البيانات الرسمية. 

صرنا نعيش بمجتمع يخاف من الحقيقة زي ما بخاف من التجاعيد
كل شي لازم يكون “ناعم” و”مرتب” و”ما في خطوط
حتى الكلام لازم يمر عبر خبير تجميل لغوي قبل ما يُقال ..الوزير يحكي، الإعلام يصفّق، المواطن يتجمّد ملامحه من الدهشة
وكلهم بنفس الوقت داخلين على برنامج “فيلر وطني شامل
الهدف؟ شدّ المعنويات وملء الفراغات بين الواقع والتصريحات.

لو تزور عيادة تجميل، وتحطها جنب أي وزارة ما رح تعرف مين فيهم بيوعِد بنتائج أطول أمدًا.

الطبيبة تقولك: مجرد حقنة صغيرة وبتصيري أصغر بعشر سنين. 

المسؤول يقولك: مجرد مشروع صغير وبنصير دولة عظمى.

وفي الحالتين، نفس النتيجة  .. تورّم مؤقت، وإحباط دائم. 

حتى التجميل صار سياسة، والسياسة صارت تجميل
يعني وجوه ملساء… لكن عقولها لسه ما عملت بوتوكس ضد الازدواجية. 

المواطن العربي اليوم عايش مرحلة قبل وبعد ... 
قبل الفاتورة… وبعد الفاتورة
قبل الانتخابات… وبعد النتائج
قبل الفيلر… وبعد المراية. يحاول يضحك، بس وجهه مش متعاون  .. يحاول يعبّر، بس الملامح معلّقة.. 
يحاول يشتكي، بس الصوت بيطلع ناعم زيادة عن اللزوم . حتى صوته صار بتقنية شدّ الحبال الصوتية الوطنية. 

الإعلام اليوم هو أكبر مركز تجميل جماعي في العالم العربي
يبدأ يومه ... بحقنة أخبار إيجابية

“الوضع مستقر، الاقتصاد بخير، والمواطن مبسوط”

وتنتهي النشرة بنفس المذيع، بنفس الابتسامة الثابتة،
تحسه عامل فيلر على مستوى الحنجرة .. ما بقدر يقول “غلااااء
بس بيقدر يقول تعديل بسيط بالأسعار.

والمفارقة؟
إن المشاهد صار متعود على “الفلتر” الإعلامي أكثر من نشرات الطقس. 

الفيلر مش بس للوجه
هو صار أسلوب حياة وإدارة عامة
كل ما يطلع خلل، نحط طبقة فوقه
كل ما تظهر مشكلة، نحقنها ببعض الكلام الجميل ونصوّرها قبل وبعد

بدل ما نصلّح الخطأ، نحطله ... كونسيلر سياسي. 
بدل ما نحكي الصراحة، نحكي “منسّقين الموقف.
وبدل ما نواجه التجاعيد الطبيعية للحياة... 
نركّب ابتسامة مشدودة ونقول: كله تمام.

الملامح صارت تحت المراقبة ما عاد الإنسان يُقاس بعقله ولا بمواقفه، صار يُقاس بزاوية الخدّ ودرجة التوريد...
الناس صارت تمشي وهي خايفة من المراية أكثر من الفاتورة .. الرجال صاروا يعرفوا ماركات الفيلر أكثر من ماركات السيارات ... والنساء صاروا يناقشوا نتائج “جلسة البوتوكس” أكثر من نتائج الانتخابات. 

حتى “التعب” صار ممنوع
يعني إذا شكلك طبيعي، الناس تقول: خير، انت مريض؟

صرنا نخاف من التجاعيد أكثر من الفساد، ومن علامات التعب أكثر من علامات الاستفهام.  

 

وهنا تبقى " المخدة " هي المعارضة الوحيدة في هذا النظام التجميلي
هي اللي بتهاجم الفيلر بلا رحمة، تضغط عليه، تزيحه، تشوّه التوزيع الجغرافي للوجه
تصحي الصبح وشكلك نسخة “ما بعد الاستقرارالفيلر يذوب والمخدة تبتسم بانتصار وتقول: 

“الطبيعي انتصر، يا عزيزتي”

لنصل لمرحلة الذوبان ... كل شيء منفوخ… يذوب بالنهاية
الوعود، العلاقات، التجميل، حتى الخطابات المنسّقة .. الزمن عنده طريقته الخاصة بإرجاع الأشياء لشكلها الأصلي
الوجه يعود وجهًا، والكلمة تعود فارغة، ويبقى الناس يسألون نفس السؤال

“هو هذا الطبيعي… ولا النسخة القديمة كانت أحلى؟”

ففي عصر كله تحت الصيانة ... أفضل شيء تعملُه إنك تظل صادق خلي خطوط وجهك تحكي عنك، مش تحكي عليك وخلي كلامك حاد شوي، بس حقيقي .. اللي بيعيش صادق، يمكن يطلعله تجعيدة، بس ما رح يطلعله "عيب في النسخة" . 

 

خلاصة "دليل البقاء" 

لا تصدّق وجه بدون خطوط… ولا وعد بدون تفاصيل .. لو حكالك حدا: “النتائج طبيعية جدًا!” ابتسم، لأنه بالغالب هاي مصيبة جاية ... 

وتذكر دائمًا: 
الفيلر بذوب… بس الوجوه نفسها ترجع كل دورة انتخابية.