مقتل الصحفي والناشط اليميني المؤيد لترامب وإسرائيل، تشارلي كيرك، يشكل لحظة فارقة في المشهد السياسي والاجتماعي الأميركي.

صنارة نيوز - 11/09/2025 - 1:39 am  /  الكاتب - وائل منسي


 فالحدث لم يأتِ في فراغ، بل وقع في لحظة تتراجع فيها شعبية السياسات الأميركية المنحازة لإسرائيل، ويتزايد فيها التعاطف الشعبي مع المدنيين الفلسطينيين في غزة، خصوصاً بين فئة الشباب والمستقلين. هذا التناقض بين المزاج الشعبي العام والانقسام السياسي الحاد في واشنطن يجعل من الحادثة مادة خصبة للاستغلال السياسي، وعلى رأس المستفيدين اللوبي الصهيوني الذي يتحرك بذكاء لاستثمارها في تعزيز روايته وتثبيت أجندته.

من المتوقع أن يسعى هذا اللوبي إلى تحويل مقتل كيرك إلى أداة لتشديد خطاب الخوف من "التحريض المعادي لإسرائيل" داخل الولايات المتحدة، وربطه مباشرة بتصاعد النقد الشعبي للسياسات الإسرائيلية. 
وبذلك يُعاد إنتاج سردية تربط أي انتقاد لإسرائيل بأجواء الكراهية والعنف، بما يبرر تشديد القبضة الأمنية على الجامعات، الحد من المساحات العامة للنقاش حول غزة، والضغط على السياسيين المترددين في دعم إسرائيل. 
وهنا يبرز التناقض: ففي حين يزداد وعي الأميركيين بالجرائم المرتكبة في غزة، يحاول اللوبي أن يعيد توجيه النقاش نحو "حماية الأمن الداخلي" وإسكات الأصوات المعارضة.

الصدمة الأولى للحادث ستوحد الخطاب الرسمي ضد العنف السياسي، لكن سرعان ما سيتشظى الموقف بين معسكرات حزبية وإعلامية متناقضة. الإعلام المحافظ سيقدم كيرك كـ"شهيد الدفاع عن الحرية" وسيحمّل خصوم إسرائيل مسؤولية أجواء التحريض، فيما يحاول الإعلام الليبرالي أو المستقل تفسير الحادث ضمن سياق الاحتقان السياسي الأوسع، لكنه سيجد نفسه محاصراً بخطوط حمراء تتهم أي نقد بأنه تبرير للعنف. هذه البيئة المثقلة بالاستقطاب تمنح اللوبي الصهيوني فرصة نادرة لإعادة بناء الإجماع السياسي المترنّح لصالح إسرائيل، عبر استثمار العاطفة والصدمة بدلاً من مواجهة الحقائق على الأرض في غزة.
وحول السيناريوهات المستقبلية المحتملة:
السيناريو الأول: توظيف أمني تشريعي وهو أعلى احتمال:
اللوبي الصهيوني يضغط لتمرير قوانين وتشديد سياسات تربط انتقاد إسرائيل بخطاب الكراهية والتحريض، ما يؤدي إلى تقليص مساحات النقاش حول غزة في الجامعات والإعلام.

السيناريو الثاني: استثمار إعلامي عاطفي وهو متوسط الاحتمال:
تضخيم صورة كيرك كـ"شهيد الحرية" عبر الإعلام المحافظ، وتحميل معارضي إسرائيل مسؤولية مناخ التحريض، بهدف قلب التعاطف الشعبي المتزايد مع الفلسطينيين إلى تعاطف مع إسرائيل بذريعة "محاربة العنف".

السيناريو الثالث: ارتداد عكسي شعبي وهو أقل احتمال لكن مؤثر:
رغم استغلال اللوبي، يزداد وعي الأميركيين بالتناقض بين الخطاب الرسمي والواقع في غزة، فتتوسع رقعة الاحتجاجات الطلابية والمدنية، ويظهر خطاب مضاد يعتبر الحادثة دليلاً على خطورة التحريض السياسي لا على عدالة القضية الفلسطينية.
في العمق، يمثل الحادث إنذاراً إضافياً لتصاعد مؤشرات العنف السياسي في الولايات المتحدة، وهو عنف يتغذى على الاستقطاب الداخلي بقدر ما يتغذى على الصراعات الخارجية.
 ومع أن الرأي العام الأميركي يتجه أكثر فأكثر نحو التعاطف مع الفلسطينيين، إلا أن قوة اللوبي الصهيوني في صناعة الرواية وربط أي معارضة لإسرائيل بالعنف قد تخلق بيئة خانقة أمام هذا التحول الشعبي.
 وهكذا، فإن مقتل كيرك قد لا يوقف موجة التحول في الرأي العام، لكنه سيؤخر تجلياتها السياسية عبر خلق أجواء خوف واتهام وتشويه، تمنح إسرائيل وحلفاءها في الداخل الأميركي مساحة إضافية للمناورة وكسب الوقت.