السلطة.. وسياسة الاسترضاء البائسة

صنارة نيوز - 23/12/2024 - 5:12 pm  /  الكاتب - د. نادية سعدالدين

 

بقلم- د. نادية سعدالدين
   لطالما شكل التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية والاحتلال أحد أبرز خلافاتها، وحركة «فتح»، مع بقية القوى والفصائل الفلسطينية، وإحدى ملفات الانقسام الشائكة. ولكن في ظنها أنه يُحسن صورتها وكفاءة أدائها أمام الولايات المتحدة، ويُعزز فرصها، الآن، لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وربما التحول لاحقاً إلى دولة. إلا أن دبلوماسية «الاسترضاء» التي اتبعتها السلطة طويلاً لم تُكسبها رضا «العم سام» وحليفه الصهيوني، ولم تفضِ إلى شيء سوى معاناة الشعب الفلسطيني واستباحة دمه وأرضه.

   ما يحدث اليوم في جنين من تناحر فلسطيني – فلسطيني تحت نير الاحتلال، ما هو إلا نتاج إفرازات اتفاق «أوسلو» الذي فرض على السلطة قيوداً والتزامات أمنية، بما فيها «وقف العنف»، وفق المطلب الصهيوني، والحفاظ على أمن الاحتلال وملاحقة كوادر المقاومة وزجهم في معتقلاتها، بدون حتى اشتراط ربطه بتسوية سلمية، في ظل عدوان الاحتلال المتواصل ضد الشعب الفلسطيني.


ولم تتوقف السياسة «الاسترضائية» دون طائل. وتتحمل منظمة التحرير مسؤولية القبول بدولة فلسطينية إلى جانب الكيان المُحتل دون التزام مماثل أو إقرار بالحقوق الوطنية، والتخلي عن استراتيجية الكفاح المسلح، وتعليق بنودٍ من الميثاق الوطني الفلسطيني مقابل إلغاء أخرى تنص على تدمير «دولة إسرائيل»، وحذف مقاطع من 16 بنداً شكلت في مجملها جوهر الميثاق وقوامه، خلال جلسة المجلس الوطني الفلسطيني عام 1996 في غزة، تلبية لمطالب صهيونية – أميركية، لاسيما الخاصة بحدود فلسطين التاريخية والعمل الفدائي طريقاً لتحرير فلسطين، وشطب المادة 22 منه التي تصف الصهيونية حركة عنصرية توسعية. 


  واستكملت المنظمة هذا الطريق بقبول تجزئة قضايا الوضع النهائي وتأجيل بحثها للمرحلة التفاوضية النهائية، التي انتهت عام 1999، واعتماد نفس النهج بدل مراجعة المسار السياسي غداة فشله، مما تسبب في تحرير الاحتلال من أي التزامات أو مساءلة تجاه انتهاكاته بالأراضي المحتلة، فضلاً عما سببه «أوسلو» من تفكيك مختلف مكونات السيادة الفلسطينية، وتقسيم الأراضي إلى ثلاث مناطق جغرافية سهلت على الاحتلال السيطرة عليها، وحصرت السيادة الفلسطينية «الإسمية» ضمن 40 %، وهي مساحة المدن والقرى والمخيمات، مقابل 61 % بيد الاحتلال في المناطق «ج»، الغنية بالموارد الطبيعية والاقتصادية.


   ورغم كل ذلك؛ لم ينتهِ الصراع، فما زال جوهره قائماً بدون حل، وما يزال يدور حول الحقوق العربية المشروعة في الأراضي العربية المحتلة وأسس السلام العادل والشامل والدائم ومفهوم الأمن المتبادل. 


   ولم تزل الفجوة كبيرة بين شروط الحد الأدنى للتسوية المقبولة عربياً على الصعيد الرسمي، والتسوية كما يريدها الكيان الصهيوني أو كما يتصور أنه قادر على فرضها. فهو لم يقبل بالانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو 1967 ويرفض «حل الدولتين» وحق العودة وإزالة المستوطنات وتقسيم القدس. ولم تخرج مشاريعه عن أسر حكم ذاتي فلسطيني محدود، بعدما بات خيار الدولة الفلسطينية المستقلة يتآكل تدريجياً بالاستيطان والتهويد وجدار الفصل العنصري.


بمقدور السلطة الفلسطينية السعي لإظهار القيادة وتغيير الوضع الراهن الراكد منذ فترة طويلة، والدفع بشكل حقيقي نحو تقرير المصير الفلسطيني، بما يشمل إحياء منظمة التحرير المُهمشة، وضمان تمثيلها للكل الفلسطيني، ولربما الدعوة إلى تشكيل «حكومة أزمة» أو مجلس قيادة معني باتخاذ قرارات محورية بشأن مستقبل الحركة الوطنية الفلسطينية، إزاء محاولات الاحتلال المستمرة لمحو الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وأجزاء واسعة من قطاع غزة، بعد فشل مخطط التهجير.


وإما أن تلجأ السلطة للاستكانة للوضع الراهن ومعاكسة تداعيات الحرب على غزة، وحينها لن تكون فقط في تضاد مباشر مع الغضب الشعبي الفلسطيني، ولكن مصيرها أيضاً سيكون على المحك، فالمسار الذي تختاره سيحدد مستقبلها.