جُدُر الجيتو في العقيدة الأمنية الصهيونية
صنارة نيوز - 19/11/2024 - 12:46 pm / الكاتب - نادية سعدالدينبقلم- نادية سعدالدين
الجُدُر الإسمنتية التي يُحيط الكيان المُحتل نفسه بها، تعكس عقلية «الجيتو» الانغلاقية المُهيمنة على العقيدة الأمنية الصهيونية، كمسوغ عنصري لمزاعم «الاختيار» و»التفوق» و»نقاء العرق»، وكمدخل للنجاة بجسمه الطُفيلي الغريب وسط إرث حضاري عربي إسلامي عريق، فباتت الجُدران بالنسبة له الحصن المنيع لكسب القوة والمناعة ودرء المُحيط، أو هكذا يظُن.
ليست المناطق العازلة التي أنشأها الاحتلال مع الأردن ومصر وسورية ولبنان وداخل الضفة الغربية وقطاع غزة، لادعاءات أمنية، بعد أن كشفت عملية «طوفان الأقصى» هشاشة جدرانه وسهولة اختراقها، ولكنها تُجسد عقيدة «الحائط الحديدي» المُتجذرة والمُستلهمة من فكر الصهيوني الليكودي «زئيف جابوتنسكي»، منذ عام 1923، والمتوارثة عبر أقرانه وصولاً إلى «بنيامين نتنياهو»، الأكثر مناصرة لها.
ولا تعني الجُدُر حدود الكيان الصهيوني أو انحسار مطامعه التوسعية؛ بل هي تبرير ديني لتغذية النزعة العدوانية بنفوس المستوطنين وتنفيذ المشروع الاستعماري الإحلالي في فلسطين المحتلة ومحيطها الإقليمي، لإقامة «أرض إسرائيل التاريخية» أو «الكبرى»، بعد أن استنسخت الصهيونية مفهومها من نصوص التوراة والتلمود وتفسيراتهما، ونظريات غربية عنصرية سادت القرن التاسع عشر، مثل «الحاجز اللوني» الذي وجد صيغته المُعدلة عندها في جدار الفصل العنصري بفلسطين والمناطق العازلة مع دول الجوار.
لجأت الصهيونية لترسيخ فكرة «الجيتو» دينياً؛ عبر ربط معاناة اليهود في فترات تاريخية سابقة بقدرتهم على البقاء بانتظار «العودة لأرض إسرائيل»، وتحويل روح التكتل الطائفي الديني للأقليات اليهودية المبعثرة بين الدول إلى أيديولوجية سياسية متسترة بالدين لتأسيس «وطن قومي يهودي». كما كرستها جسدياً ونفسياً؛ بالتقوقع داخل جدرانه بزعم «تعميق نقائهم وقوتهم»، وكجزء من التربية التوراتية المزعومة.
ولأجل تحفيز الهجرة والاستيطان في أرض فلسطين تحت مزاعم «حل المسألة اليهودية»، مارست الصهيونية شتى أساليب القوة والعنف ضد اليهود أنفسهم بالتعاون بين المنظمة الصهيونية العالمية وبعض الجهات والأنظمة الغربية، على غرار ما حدث أثناء الحكم النازي، في إطار الزعم «بالهولوكست»، أي الإبادة النازية لليهود، رغـم أن «الحل النهائي» لليهود هنا لم يكمن في الاستئـصال والإبادة وإنما في التهـجير، في ضوء تقديرات بتهجير أكثر من 300 ألف يهودي خلال حكم «هتلر».
وما تزال الصهيونية تُسوق مزاعم نظرة «الأغيار» العدائية تجاه المستوطنين اليهود، لثنيهم عن مغادرة الكيان المُحتل منذ عملية 7 أكتوبر، وهي نفس أكذوبة «مناهضة السامية» التي وظفها الصهيوني المؤسس «ثيودور هرتزل» الذي لم يستطع التجول بأفكار حركته بين صفوف اليهود بدون الارتكاز على قاعدة اللاسامية لتغذية شعورهم بالإذلال والاضطهاد ودفع المؤمنين منهم «بالمسيحانية» للهجرة إلى فلسطين بعد الالتفاف حولها.
إن جُدر «نتنياهو» التي يعكف على إقامتها بكثرة حالياً، أسوة بأسلافه مثل «جابوتنسكي» و»إسحق شامير» و»أرئيل شارون» الذين طالبوا «بجدار حديدي لحماية اليهود من العداء العربي المحكم ضدهم» أو «ايهود بـاراك» المنادي بسيـاسة الفصـل عن الفلسطينيين، تعكس عقلية «الجيتو» الانغلاقية وسلوك الاحتلال العنصري المُتطرف ضد الفلسطينيين والعرب عموماً، مثلما تُفسر استحالة التعايش مع الكيان الصهيوني بسلام وأمن مفقودين.