نتنياهو والحدود الصهيونية المطاطية
صنارة نيوز - 05/10/2024 - 8:07 pm / الكاتب - نادية سعدالديننادية سعدالدين
ليست المرة الأولى التي يستعرض فيها «بنيامين نتنياهو»، من على المنبر الأممي، خريطة المطامع الصهيونية التوسعية في فلسطين المحتلة ومنطقة الشرق الأوسط، فهذا ديدن الكيان المُحتل الذي لا حدود جغرافية له، بل حدود «مطاطية» مرنة تصل نهايتها عند البقعة التي تستطيع اليد الصهيونية الطُولى أن تبلغها، وفق المنظور الصهيوني المتطرف.
غاب تحديد الحيز الجغرافي لنطاق «الدولة» وبالتالي لحدودها عن الكيان الصهيوني، بما يتأصل جلياً في «إعلان الاستقلال»، مع غياب الدستور، والذي لم يشر صراحة إلى حدود «دولة إسرائيل»، باعتباره تقييداً لحركة الدولة وتطلعاتها، فظلت الحدود مطاطية مرنة قابلة للتوسع.
وهذا هو حال الدولة التي تعتبر أن الإقليم لا يشكل الدولة وإنما الوعاء الذي تمارس عليه الدولة سلطـاتها، ومن هنا تعتبر الحدود وفقاً للمنظور الصهيوني «المكان الذي يرابطون فيه ويدافعون من خلاله عن البلاد»، حسب مزاعمهم.
ولأن الحدود مرنة مطاطية، فإن ثمة تبايناً في تصور حدودها وتسميتها، فتارة يتحدث الصهاينة عن الحدود التوراتية أو التاريخية وتارة أخرى يطلقون تسميات «أرض إسرائيل الكبرى» أو الكاملة أو الحدود الآمنة أو الشرعية أو الطبيعية، رغم أن جميعها تنطلق من نظرة توسعية ترمي إلى احتلال أرض الآخر وضمها.
وعكست النصوص التوراتية والتلمودية تناقضاً جلياً عند الحديث عن الحدود دون توضيح النطاق الجغرافي لمزاعم «الأرض الموعودة»، بما عكس نفسه في دعاوى قادة الحركة الصهيونية وفي المشاريع المتعددة لمكان إقامة «الوطن»، وفي ماهية الحدود التي يتحدثون بها، فيقول الوزير السابق والعسكري الصهيوني، «موشيه دايان»، «إذا كنا نملك التوراة ونعتبر أنفسنا شعب التوراة فلا بد من امتلاك أرض التوراة»، استناداً إلى «جغرافيا التوراة» ذات الحدود «الممتدة من نهر النيل إلى الفرات»، التي تحدث بها أول رئيس حكومة تشكلت بعد إقامة الكيان المُحتل، الصهيوني «ديفيد بن غوريون»، منذ عام 1937، ويرددها الساسة الصهاينة حتى اليوم.
ووفقاً للمعتقد الصهيوني؛ فإن «الوطن القومي لن يكون لجميع اليهود ما لم تُفتح أبوابه لاستيعابهم»، مما يستدعي «أرضاً واسعة قابلة للنمو تمتد على جانبي ضفتي الأردن، وتتوسع لما بعدهما»، بحسب تصور رئيس حكومة الاحتلال السابق «إسحق شامير» ويتبناه الآن الوزير المتطرف «إيتمار بن غفير» ويدعو إلى تنفيذه فعلياً.
ولا يتحقق للصهاينة هدف التوسع إلا من خلال التهجير وارتكاب المجازر والاستيطان، بوصفهم أدوات الاستيلاء على الأرض والحفاظ على وجود الكيان المُحتل واستمراره وضمان أمنه الذي يشكل هاجساً بالنسبة للداخل الصهيوني.
يحتكم الكيان الصهيوني في سياسته التوسعية إلى محددات تقوم على سياسة «الاحتواء» و»شد الأطراف» ومن ثم «التفكيك» و»الاستيلاء»، والتي وضع «بن غوريون» خطوطها العريضة، وأضحت تشكل أس نظرية أمن الاحتلال، مع إحداث تغيير في بعض مفاصلها وفق متطلبات المرحلة.
سيظل الاحتلال يسعى للبحث عن شقوق وتصدعات داخل الجسد العربي ومصالح آنية وضيقة مع بعض نخبه، وأخرى مشتركة مع أقليات عرقية أو طائفية ضمن ساحته، وقد ينجح حيناً، ولكنه سيخفق كثيراً، حيث سيبقى كياناً صهيونياً مصطنعاً ومرفوضاً من النسيج المجتمعي العربي والإسلامي.