هل يستطيع الإخوان قيادة المرحلة المقبلة في الأردن؟
صنارة نيوز - 14/09/2024 - 10:07 amالصنارة نيوز/ سامح المحاريق
تلقى الأردنيون الفوز الواسع لحزب جبهة العمل الإسلامي على القوائم العامة والمحلية بمشاعر متباينة، بين الصدمة والدهشة والتخوف، ويبدو أن الحزب الذي يشكل الأداة السياسية للإخوان المسلمين في الأردن يحمل داخله المشاعر نفسها السائدة في الشارع، أو يجب عليه أن يحملها إذا كان يدرك بالفعل أبعاد فوزه العريض.
المشاعر التي حملتها الطبقة الوسطى تحديدا، وهي صاحبة العزوف التاريخي عن المشاركة في العملية الانتخابية في الأردن، أظهرت معالم واضحة للامبالاة تجاه الفوز الإخواني، وأخذت توظف السخرية في تعليقاتها على النتائج، وكانت الفكاهة الأكثر بلاغة ما نشرته إحدى التكنوقراطيين المختصين في المجال القانوني، حيث علقت أنها أخبرت والدتها بأنها لا تستطيع أن تعطيها مقعدا للجلوس في الشرفة، لأن الإخوان أخذوا جميع المقاعد، في كناية عن النتائج الانتخابية وحصد الإخوان لنتيجة مؤثرة ستجعلهم اللاعب السياسي الأكثر تأثيرا لفترة مقبلة من المفترض أن تصل إلى أربع سنوات، هي عمر المجلس النيابي.
وبالمناسبة، حصل الإخوان حتى على مقعد الكوتا المسيحي في القائمة العامة المخصصة للأحزاب. هل كان الإخوان يتوقعون هذا الفوز، أو يريدونه من الأساس؟ جميع المؤشرات كانت تؤكد أن الإخوان يعتبرون الحصول على نصف ما حققوه، سيكون مرضيا لهم، والسؤال الذي يجب أن يستيقظ له الإخوان اليوم، هل يستطيعون تحمل تكلفة هذه النتيجة، وتصدرهم للمشهد السياسي في هذه المرحلة؟ الإعلامي ياسر أبو هلالة انتبه للمعنى المتعلق بالفوز العريض، ووجه رسالة للإخوان ليدعوهم بأن يردوا التحية للملك بأحسن منها، مشيرا إلى أنه تحيز لمزاج الشارع العام لدفعه لأداء دور أكثر حيوية في الملف الفلسطيني، مع رسائل أخرى لحلفاء إقليميين، وللقوى السياسية الداخلية. لتفكيك المشهد، وكما يشير أبو هلالة نفسه، فإن الإخوان كان يفترض أن يحصلوا على الترتيب الثاني بعد حزب الدولة «الميثاق» المزدحم بشخصيات خدمت في مناصب مهمة سابقا، بل كان يتوقع البعض أن يحتلوا المركز الثالث بعد حزب «إرادة» الذي كان سلوكه السياسي منتفخا لدرجة الحديث بثقة عن حكومة سيقوم بتشكيلها، وكأن المسألة تحصيل حاصل، مع عدم توفر أي سند قانوني أو سياسي لافتراضاتهم التي جرى تسويقها على كثيرين. الفوز الواسع في جانبٍ منه، أتى ليعبر عن الخسارة الفادحة التي لحقت بالحزبين، اللذين حظيا بتدليل واسع على أساس الصور الذهنية التي حاول الحزبان تصديرها في مرحلة حرجة وحساسة، بل إن بعضا من الشخصيات حاولت الاختباء وراء الملك لتظهر حصولها على الضوء الأخضر، وتمادت لتوحي بأن ولي العهد يدعمها، ويعتبرها جزءا من مشروعه المستقبلي، وهذه المسألة لم تكن صحيحة، فالأردنيون يتناسون الرسالة التي تلقاها رئيس جهاز المخابرات العامة، بالتزامن مع ورشة التحديث السياسي في فبراير 2021، ويريد البعض منهم تناسيها، من أجل اللعب في منطقة غامضة ومعتمة، لتحقيق مصالحهم المتمثلة في «ركوب المشهد» كما وصفت في مقال نشرته إحدى الصحف الأردنية في فبراير 2023.
الأردن يتأهب للخيارات الصعبة، ما يوحي بضرورة الحسم تجاه من يمتلك القدرة على التنظيم والمناورة والمراوحة بين الخطاب المنفلت والواقعية الحذرة
في لقاءات متعددة مع شخصيات قريبة من المشهد بمعنى رؤية الجمهور لإمكانية تدخلها بصورة أو بأخرى، سمعت أنه لا مجال لتزوير الانتخابات، وأنه لا يوجد تزوير عمليا منذ وجدت الهيئة المستقلة للانتخابات، لكن المستجد هذه المرة، هو عدم وجود الهندسة الانتخابية في ترتيبات القوائم، وغيرها من إجراءات من شأنها أن توجه الناخبين بطريقة أو بأخرى، وأن أية مشاورات مع الإعلاميين والمؤثرين تستهدف الحصول على نسبة مشاركة مرتفعة نوعا ما، لتجنب حالة من الإحباط بخصوص التحديث السياسي. لكن هذه مسألة أخرى، ويملك الإخوان حاليا القدرة على الإجابة عليها، فهل يستطيعون؟ لأسباب تاريخية لا أحمل مثل قطاع واسع من الطبقة الوسطى الثقة الكاملة في قدرة الإخوان على رد التحية، كما طالبهم أبو هلالة، وأتشكك في قدرتهم على الانعتاق من الأيديولوجيا والاشتباك مع الملفات الكثيرة والمعقدة على المستوى الاقتصادي والإداري في الدولة الأردنية، ولا أتوقع أن يكونوا على قدرة من أجل قيادة المرحلة، وأن يختزلوا المرحلة كلها في ملف إقليمي معقد، تمكنوا من التعامل معه بصورة أو بأخرى، لكن يجب عليهم الانتباه أنهم لم يصلوا إلى البرلمان على أكتاف أبي عبيدة، الذي حظي بشعبية واسعة بين أنصارهم، لكن لأن الأردنيين يبحثون عن وجوه جديدة فشلت الأحزاب الأخرى في تقديمها، وقصرت بصورة واضحة وعميقة في صياغتها في برامج، ومارست داخل أروقتها حيلا رآها الأردنيون تصلح لانتخابات مدرسية وبعيدة كل البعد عن حنكة سياسية تعزز مواقف بلادهم وتقودها وسط تحديات صعبة.
شاء الإخوان أم أبوا، سيقفون أمام المسؤولية التاريخية هذه المرة، ولنضع جانبا النواب الذين جاءوا من تفاهمات عشائرية، يبحثون عن الوجاهة أو النفوذ، أو ممثلي الجهويات التقليديين الذين يقدمون الخدمات التقليدية، ومعهم رجال الأعمال الذين يمثلون مصالح قطاعات اقتصادية، فجميعهم ليسوا فاعلين بالمعنى السياسي، وحدود تعاملهم مع التاريخ هو سيرهم الذاتية، وبعضهم يدخل الانتخابات من أجل تحسين موقع جلوسه في المحافل الاجتماعية على أساس نفوذه السياسي، ولذلك فالإخوان وحدهم سيكونون مضطرين للإجابة عن الأسئلة الصعبة في المرحلة المقبلة، لأنهم ألزموا أنفسهم بسياق تاريخي وجودي وممتد لقرون من الزمن، ولأنه لا يمكن التعامل معهم في صورة أشخاص، لأن الشيخ حسن البنا في كل وقت، بمظهره وتجهمه، سيبقى الصورة التي تختزل التنظيم الذي يصعب أن ينتج أبطالا سياسيين عابرين للمراحل. ربما على صالح العرموطي، الإخواني العتيد، وصاحب الشعبية الواسعة، والقبول الاجتماعي، أن يبدأ في التواصل مع أطراف أخرى، وأن يستمع بواقعية لأطراف كثيرة من أجل تجنب مواجهات جانبية مع أصحاب الأيديولوجيات الأخرى، خاصة اليساريين والليبراليين، وعليه، ألا يتناسى أن ما حققه حزب «جبهة العمل» كان يقوم على حشد أقصى قواعده الانتخابية لتجنب الخروج بنتيجة متواضعة، في مقابل، أحزاب أخرى، فشلت في تقديم بدائل مناسبة، أو مقنعة للجمهور، لكن في لحظات الصراع حول مسائل أخرى يمكن أن يخلق أجواء متوترة غير ضرورية في مرحلة حرجة.
في المقابل، فعلى كثير من الذين خرجوا بخيبة واضحة وعميقة، أن يراجعوا أنفسهم، ويسألوا أنفسهم عن سبب وجودهم أصلا في وسط سياسي، وبعضهم جاء إلى المشهد (الحكومي) على كتفي رئيس وزراء لم يخض هو نفسه حتى انتخابات غرفة صفّية في حياته، والمرحلة المقبلة تتطلب ما هو أكثر من ذلك، فالأردن يتأهب للخيارات الصعبة، ما يوحي بضرورة الحسم تجاه من يمتلك القدرة على التنظيم والمناورة والمراوحة بين الخطاب المنفلت والواقعية الحذرة، طالما أن الجميع لم يكن يمتلك البرامج الضرورية، ولا الفاعلية السياسية للتعبير عنها، ولا حتى مجرد بناء تصورات مقنعة لحزب الكنبة الأردني الأوسع والأكبر من الإخوان وغيرهم، وهو الحزب الذي اكتفى بالتعليقات والمناكفات في حدودها المعقولة، لكنه استعاد الثقة في الانتخابات، وفي نية التوجه إلى موجة أخرى من الإصلاح السياسي أكثر تناسبا مع العصر والمراحل المقبلة المتوقعة أو المبرمجة لوضعها أمام الأردن الذي يحاول أن يخرج من الاضطراب الراهن بأقصى الممكن الذي يتوافق مع مصالحه ومصالح حزب الكنبة (الأريكة) من الأردنيين.
هل يتخلص الإخوان من أخطائهم التاريخية والهروب من التفاصيل والاستحقاقات إلى الفضاء الخطابي الواسع والفارغ المحتوى؟ هل يتعلمون من الدروس الماثلة أمامهم، والأهم من ذلك، هل يفهمون حقيقة ما يريده الملك في هذه المرحلة، ورغبته في أن يجد عمقا داخليا يسهم في المناورة أمام ضغوطات خارجية كثيرة، فجميع الافتراضات قائمة على (وطنية) التنظيم، وليس استمراره فرعا للتنظيم الدولي، أو الاستغراق في الأيديولوجيا في مرحلة الوقائع المريرة، وعلى الإخوان التعامل مع هذه الحقيقة، لأنهم يمثلون اليوم، حزب الدولة في الأردن.
القدس العربي