الأوراق الأميركية الأخيرة

صنارة نيوز - 2015-03-18 10:14:05

سامح المحاريق

تصريحات كيري حول التفاوض مع الرئيس الأسد لم تكن زلة لسان، وحتى محاولة التدخل الأوروبية على لسان فيديريكا موغيريني مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، وإعادة صياغة التصريحات بأنها تعني التفاوض مع دمشق، وليس مع الرئيس الأسد، فإنها تشكل تأكيدا ضمنيا لما ذهب له الوزير الأميركي.

الأسد ليس المشكلة، فهو يعرف أن ثمن التسوية السياسية سيتمثل عاجلا أم آجلا في إجراء تحول في شكل السلطة في سوريا، وأنه لن يستطيع مواصلة تولي دفة القيادة، والطروحات حول انتقال داخل السلطة الحالية، والانطلاق في عملية تصحيحية ليست جديدة.

بالطبع من التفاؤل أن تعتبر تصريحات وزير الخارجية الأميركي بوصفها تدشينا لتوجه جديد، ولكنها على الأقل تؤشر على نزعة واقعية بدأت تطرأ على السياسة الأميركية، وهو ما يتطلب جهودا دبلوماسية وسياسية متواصلة لوضع الحل السياسي في الإطار المقبول لجميع الأطراف.

النظام السوري يدافع عن نفسه، والرئيس هو رمز للنظام، ولكنه ليس النظام بأكمله، والمعارضة السورية أثبتت فشلها المرة بعد الأخرى، وبحيث يبدو أن انهيار نظام دمشق لن ينهي الحرب القائمة في سوريا، ولكنه سيفتتح مرحلة جديدة من التراجيديا الدائرة على الأراضي السورية، لتنطلق كل شياطين الانتقام مترافقة مع التطهير العرقي والمذهبي.

طمأنة السوريين لعملية انتقال ضمن النظام، وتحقيق شروط الثورة من خلال مراحل تدريجية تتيح العمل على صيانة الاختلالات في بنية المجتمعات السورية تبدو الطريق الأكثر واقعية، وعلى الجميع أن يمتلك الشجاعة لأن يخوضه، ولكن من سيقدم الضمانات للأطراف المتصارعة في سوريا، من سيكون الكفيل، هل تمتلك الولايات المتحدة المصداقية الكافية؟

يبدو أن الأردن ليس بعيدا عن صياغة الحل السياسي في سوريا، ولكن يجب أن يخوض أولا جولات ماراثونية للخروج بموقف عربي متجانس حول رؤية مستقبل النظام السوري، فالحديث اليوم هو عن طوق جيوسياسي يمتد من طهران إلى سواحل المتوسط، والأردن هو الدولة المتداخلة مع هذا الطوق، ويجب أن تكون السياسة الخارجية الأردنية في وضعية ديناميكية، مرهقة ولكن لا مناص من مواجهتها.

الأردن القوي يجب أن يكون أولوية عربية في هذه المرحلة، والأردن بحاجة إلى دعم غير مسبوق، وربما تطغى اليوم تساؤلات كبيرة في الأردن حول المساعدات العربية التي تتدفق على القاهرة، بينما تبقى متحفظة تجاه عمان، صحيح أن الأردن يستطيع أن يحافظ على أمنه واستقراره بإمكانياته الداخلية المتاحة، ولكنه لن يستطيع أن يؤدي دوره في أمن واستقرار المنطقة دون أن يتجاوز العديد من العقبات والمصاعب الاقتصادية الملحة، والدول العربية، وخاصة الخليجية، تعتبر الأردن من الدول غير ذات الأولوية في الدعم، على أساس أنه تمكن من تجاوز أزمة الربيع العربي، ولكنهم يتناسون أن ما بذله الأردن من أجل تأمين محيطه الحيوي كان ينتهي في مصلحة استقرار الخليج وأمنه.

الحل في الأزمتين السورية والعراقية يجب أن يستند إلى عمق في الأردن، ويجب أن تنعقد قمة عربية طارئة على مستوى الخليج ومصر والأردن ودول المغرب العربي لمناقشة السيناريوهات المحتملة، وتقييم الخيارات المترتبة على كل سيناريو، فالأميركيون اليوم يداعبون الكروت الأخيرة المتبقية لديهم، ويتوقع أن يطرحوا أيا منها على الطاولة، في أي وقت ودون مقدمات كافية أو مقنعة.