البندقية لا تكفي!
صنارة نيوز - 2015-03-01 08:50:55بقلم جمانة غنيمات: في رصد مناقشات مجلس النواب لقانون الموازنة العامة، والتي جاءت أقرب إلى عرض مسرحي مكرور من قبل كثير من أعضاء المجلس، فإنه قد لا يلفت الانتباه، أو لا يبدو مستغرباً، نتيجة لذلك، أن أحدا من نوابنا الكرام لم يتوقف عند ميزانيات كل من وزارة الثقافة والأوقاف، كما الإعلام أيضا، رغم أن المنطق وواقع الحال يفرضان أن تكون هذه الميزانيات استثنائية؛ بحيث تكون مختلفة للعام الحالي وما يليه، عما كانت عليه في الأعوام الماضية.
فاليوم، ليس ثمة جدال بشأن اشتمال الحرب ضد التطرف والإرهاب على معارك فكرية وثقافية، وبحيث لا يقل أهمية دور وزارة الثقافة عن دور وزارة الدفاع والمؤسسات العسكرية والأمنية؛ فالجبهات متعددة والمعارك مختلفة، لكنها تظل متكاملة لتحقيق النصر في الحرب ككل.
هنا، وقبل مواصلة المضي في الحرب على الإرهاب، تبرز أسئلة ملحّة وكبيرة يتوجب على الجميع الإقرار صراحة بالإجابات البدهية عنها: ما العمل إزاء الفكر المتطرف؟ هل تكفي البندقية والطائرة الحربية للقضاء عليه؟ وما دور الفكر والتنوير في حسم الحرب، ومحاصرة المتطرفين؟
المعركة الأساس فكرية، وهي الأخطر والأصعب. ذلك أن نشر الفكر المتخلف يكون، عادة، أهون من التنوير بما لا يقاس. مع التذكير بأن التطرف لم يتمكن من شبابنا إلا كنتيجة طبيعية للخواء الفكري، وغياب الأوعية الفكرية التي تستوعبهم وتشبع توقهم للتعبير عن ذواتهم.
مع ذلك، وعلى بداهتها، فإنه يظل شرطاً التأني في صقل الإجابات عن الأسئلة السابقة، بحيث تستند إلى بحث طويل، معمق وصادق، بشأن النتائج المستهدف التوصل إليها. وليكون المطلوب، أولا، تحديد الهوية التي نسعى إليها، حتى لا نتوه بين حلول وبدائل قد تنتهي بنا، مرة أخرى، إلى النتيجة والمصير الخاطئين.
والقصد أن الحاجة ملحة إلى تبني الفكر المدني الديمقراطي الإصلاحي، لاسيما أننا إلى الآن نرى الأدوات المتوفرة لخوض المعركة الفكرية هامشية، رغم الإقرار بأنها معركة أساس، إن لم تكن الأساس.
ربما يلزم هنا التذكير بالبيئة التي توفرت في السنوات الماضية، من دون قصد بالتأكيد، فأوصلت المجتمعات إلى ما نراه اليوم من ميل إلى التطرف ورفض الآخر.
هكذا، تبرز أهمية تفعيل دور وزارة الثقافة الذي تلاشى خلال السنوات الماضية، حتى أمست وزارة ثانوية. فيما يدلل على استمرار هذا المآل الرقم المتواضع المرصود لها في موازنة العام 2015، والمقدر بحوالي 8.5 مليون دينار، غالبيته للنفقات الجارية. فهي قيمة لا تؤشر أبدا على أن ثمة تفكيرا رسميا في تغيير ماهية عمل هذه الوزارة، لتكون جبهة لنشر الوعي، واسترداد الشباب المختطف.
ميزانيات الوزارات الأخرى المعنية مباشرة بهذا الشأن، والتي لها أن تلعب دورا إضافيا هنا، توصل إلى نفس النتيجة. فمخصصات وزارة الإعلام والاتصال لا تظهر في الموازنة أصلاً؛ إذ تعامل كمؤسسة تتبع رئاسة الوزراء. فيما بلغت مخصصات وزارة الأوقاف 58 مليون دينار؛ وهي إذ تُظهر صعودا من 53 مليون دينار العام الماضي، إلا أنها تظل قليلة استناداً إلى الدور التوعوي المطلوب من الوزارة، والذي لا يقل أهمية عن دور وزارة الثقافة هنا.
تغيير أدوار هذه الوزارات والمؤسسات التابعة لها، مرتبط حقيقة بإدراك ووعي المسؤولين والنخب لدور المعركة الفكرية في مواجهة التطرف والإرهاب؛ وبما يعني بناء منظومة تحارب التشدد، على اختلاف مصادره ومستوياته، بأدوات عصرية، تقوم على تثقيف الشباب وتسليحهم بالتنوير والمعرفة.
الانتصار في الحرب على "داعش" وأمثاله، يحتاج إلى تعزيز دور العلماء والمفكرين والإعلاميين، وحتى الفلاسفة؛ لإعادة التوازن إلى العقل، وخلق وعي مجتمعي يشكل حائط صد تلقائي، إنما صلب حتماً، لكل محاولات الاختراق.
تجنيب شبابنا الوقوع في الفخ يحتاج إلى تحصينهم بالوعي الناجم عن بيئة حريات محترمة، تقوم على العدالة وتكافؤ الفرص. وهي بيئة تكون بمشروع إصلاحي شامل، يجدد الأمل ويرسم الأفق بوضوح.