فصام اقتصادي
صنارة نيوز - 2015-02-28 10:04:30بقلم جمانة غنيمات: مع كل حدث كبير أو صغير، مهم أو غير مهم، تمطرنا الحكومة بالحديث عن مشكلة الطاقة، والعبء الذي تلقيه على كاهل الموازنة العامة، وضمن ذلك حجم فاتورة دعم الكهرباء خصوصاً.
أزمة الأردن "طاقوية". فتفاقم مشكلاتنا الاقتصادية مرده أساساً هذا القطاع، وذلك، أولا، بسبب محدودية موارد الطاقة المحلية؛ وثانيا، سوء التخطيط للقطاع، وبما أجبر الأردن على ربط مصيره، في أكثر من مرحلة، بمصدر واحد للطاقة؛ مرة من العراق وتالياً من مصر، ولربما قريباً من إسرائيل! وفي الحالتين العراقية والمصرية تحديداً، كانت النتيجة واحدة: توقف تدفق النفط والغاز، والدخول في دوامة معاناة لا أفق لنهايتها.
أحد المصادر المقترحة دائما، والذي يتمتع بشعبية كبيرة؛ فيكثر محبوه ويقل كارهوه، هو الطاقة المتجددة، أو "الطاقة النظيفة" كما يحلو للبعض تسميتها، والتي تعاظمت فرص الحصول عليها مع تراجع كلف التكنولوجيا الخاصة بها، عالمياً، خلال السنوات القليلة الماضية.
محليا، نصّت الاستراتيجية الوطنية للطاقة على وجوب بلوغ حصة هذا المصدر المتجدد والنظيف نسبة 10 % من إجمالي احتياجات الطاقة المحلية. لكنّ الظاهر، وفقا للسياسات المطبقة، أن هذه الحصة لن تتحقق أبدا. فإدارة هذا الجزء من القطاع، كما غيره، ما تزال تعتريه الأخطاء وسوء التخطيط.
ليس ثمة تقصير أبداً على صعيد التنظير الرسمي بشأن ضرورة التوسع في دعم الطاقة المتجددة، وتشجيع انتشارها والاعتماد عليها، لتخفيض قيمة فاتورة الطاقة ككل. بل إن الأمر لا يتوقف عند الحديث عن خطوات رسمية لدعم استخدام هذا النوع من الطاقة، وإنما يمتد إلى دعوة الشركات والمستهلكين للاستجابة لنصائح الحكومة باستخدام وسائل توفير الطاقة.
لكنّ هذا التغني بالدعم الموصول للطاقة المتجددة، هو نقيض ما يحدث على أرض الواقع، وقبله على صعيد السياسات والقرارات في الدوائر والمؤسسات الرسمية. إذ نكتشف، بعد كل ذلك الحديث، أن التخبط هو سيد الموقف في إدارة هذا القطاع، بحيث تتشعب الخطايا؛ فنجد من ناحية فوضى وتخبطا في طرح عطاءات الطاقة المتجددة، كما إلغاء لمرحلة من مراحل المضي بها.
كذلك، وقبل عدة أشهر، اتخذت الحكومة قرارا تم بموجبه فرض ضريبة مبيعات على مدخلات الطاقة المتجددة للشركات والأفراد، تشمل كل المعدات المستخدمة في القطاع؛ ابتداء من المحولات، مرورا بالمصابيح، وليس انتهاء بالألواح الشمسية.
وفي محاولة من "الغد" لمتابعة القرار الغريب وقت صدوره، والذي يتعارض مع مبدأ تشجيع توليد واستخدام الطاقة المتجددة، قالت مصادر رسمية إن الحكومة تراجعت عن القرار، وإن القصة تتعلق بتأخير تمديد قرار إعفاء هذا القطاع من الضريبة البالغة نسبتها 16 %.
لكن اليوم، أي بعد ثلاثة أشهر من صدور القرار، تؤكد شركات متخصصة في القطاع أن الحكومة ما تزال تقتطع الضريبة المفروضة على الشركات والمستوردين، بحجة عدم تطبيق قرار تمديد الإعفاء، وبحيث يتم وضع هذه المبالغ في "الأمانات"، مع احتمالية إعادتها عند التراجع عن القرار مستقبلا.
من ناحية أخرى، في السياق ذاته، تَرِد كثير من الشكاوى من مؤسسات وأفراد يسعون إلى الاستعانة بالطاقة المتجددة في بيوتهم ومؤسساتهم، لكنهم يصطدمون بحواجز ومعيقات رسمية تحول دون ذلك.
للأسف، كل المؤشرات تدلل على غياب الرؤية في إدارة قطاع الطاقة، ولاسيما الطاقة المتجددة التي نحن في أمسّ الحاجة إليها. ويبدو غير منطقي أبداً أن تأتي الحكومة بشيء تقول عكسه تماماً؛ في تعبير عن حالة فصام حكومي، كما غياب للجدية، على صعيد إدارة هذا القطاع الحيوي بشكل يساعد على توفير مصدر محلي للطاقة، يخفف من عبء فاتورتها المرهقة.