الجماعة و التصويب : هل اخطأنا في «التوقيت»..؟
صنارة نيوز - 2015-02-26 11:05:29بقلم حسين الرواشدة: لا أريد ان اخوض في الجدل المحتدم حول “مشروعية” ترخيص جماعة الاخوان وتصويب أوضاعها، هذه مسألة تتعلق بالحكومة وحساباتها السياسية والقانونية كما تتعلق بالجماعة وخلافاتها الداخلية، لكنني استأذن بالاشارة الى السياق العام الذي يجري النقاش فيه ،ولاحقا ما يصدر من قرارات واجراءات، واسأل : هل يبدو التوقيت الحالي مناسبا لتصويب اوضاع الجماعة ، ثم هل يمكن لهذا التصويب ان يصب في المصلحة العامة ام انه يضعنا امام ازمة جديدة ربما تحتاج لاحقا لما هو اكثر من التصويب..؟
لدي اربعة اعتبارات تدحض فكرة التوقيت المناسب ، وتؤكد اننا نختار العنوان الزمني “الخطأ” حين نذهب الى فرض الاصلاح على الجماعة من النوافذ بدلا من الابواب المشروعة، الاعتبار الاول يتعلق باستحقاقات المرحلة التي توافقنا على ان تكون الاولوية فيها هي “الحرب على الارهاب” ، واذا كان ذلك صحيحا وجديا ايضا فان المفترض ان نفعل كل ما بوسعنا لتقوية جبهة الاعتدال في مواجهة جبهة التطرف(دعك ايضا من الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية) ، ثم ما دام اننا لا نختلف على ان الاخوان جزء من النسيج الوطني ، ولم يصنفوا على خط التطرف طيلة تجربتهم التي مضى عليها نحو (70) عاما ، فان محاولة اصلاحهم في هذا التوقيت ،وبهذه الطريقة التي تابعنا بعض فصولها لن تحقق ما نرجوه ، بل انها على العكس تماما ستدفعهم باتجاه آخر نعرفه تماما ونخشى من ارتداداته، وبالتالي لايجوز بحال ان تأخذنا لحظة الحماس التي تراود البعض الى هدم “المعبد” على من فيه ، ليس من اجل مصلحة الجماعة فقط وانما من اجل مصلحة بلدنا وامنه واستقراره ، خاصة ونحن نواجه خطرالتطرف في الداخل وامتداداته في الخارج ايضا.
الاعتبار الثاني هو التغييرات والتحولات التي تشهدها المنطقة في التعامل مع الاسلام السياسي، والاخوان تحديدا، خاصة بعد ما جرى في مصر وما ترتب عليه من مواقف ذهبت بعيدا في وضع الاخوان تحت لافتة “الارهاب”، واعتقد هنا ان بعض الدول –السعودية مثلا- بدات تفكر بتجاوز هذه المشكلة ، حيث تبدو ملامح مراجعات سياسية تجري الان “لاستيعاب” الاخوان ، لا اتحدث فقط عن التحولات التي جرت على صعيد التحالفات، وانما ايضا عن انعاكاساتها في المواقف التي رأيناها في اليمن وليبيا وفي سوريا ومصر، وكلها تشير الى ان العودة عن اقصاء الاخوان وشيطنتهم اصبحت مطلبا عربيا (وربما دوليا) ، سواء لتحقيق المصالحات الداخلية او لمواجهة التنظيمات الارهابية او لقطع الطريق على التمدد الايراني في المنطقة.
اما الاعتبار الثالث فهو ان عالمنا العربي بدأ يشهد الان انكسارا لموجة الثورات المضادة، وبالتالي فان الاعتماد على معطيات الواقع الحالي التي ذهب البعض الى اعتبارها دليلا على وفاة”عصر الشعوب” ونهاية الربيع العربي ، لا يبدو اعتمادا صحيحا، بل ان ما حدث بعد انفجار العنف بهذا الشكل المفزع يؤكد ان عالمنا العربي مقبل على جولة جديدة عنوانها الوحيد هو الاصلاح ومجالها العام كسر حالة الصمت التي اضطرت اليها الشعوب بسبب القهر او العنف والتطرف ، وبالتالي فان الرهان على الوضع القائم باعتباره نهاية المطاف ينم عن سوء فهم وتقدير، واذا اتفقنا هنا على ان الاسلاميين جزء من المعادلة السياسية والاجتماعية وان وجودهم ضرورة لتحقيق الاصلاح الذي تتطلبه المرحلة القادمة فان استعداءهم او تشتيت شملهم في هذا التوقيت هو سباحة ضد المستقبل.
يبقى اعتبار رابع وهو ان فرضية “انقراض “ الاسلام السياسي ، والاخوان بالطبع جزء منه، لا تبدو صحيحة لا على المدى المنظور ولا البعيد، ليس فقط لان “الدين” الذي هو المكون الاساسي لمجتمعاتنا ما زال يتحرك بقوة في المجال السياسي تحديدا ، وانما ايضا لان الفراغ الذي يتركه الاسلاميون لا يجد حتى الان من يملؤه، كما ان تجاربنا الديمقرطية ما تزال وليدة ، واحزابنا ما تزال ضعيفة، ناهيك عن ان التطرف الذي يشكل تهديدا مباشرا لامننا يحتاج الى افكار من داخل الخزان الذي انطلق منه او تغطى به لكي ترد عليه ، وعليه فان حضور الاسلام السياسي المعتدل والمتصالح مع الديمقراطية يبدو مطلوبا اليوم اكثر من اي وقت مضى.
باختصار ، تصويب اوضاع جماعة الاخوان المسلمين يحتاج الى نقاش عام داخل الجماعة ومعها ، ليس فقط لحسم الجانب القانوني وانما ايضا لمعرفة الارتدادات السياسية والاجتماعية ،واذا كنا احتملنا وجودها 70 عاما فما الذي استجد حتى نضيق بها ذرعا الان ؟ ثم ان اختيار هذا التوقيت لعملية التصويب بهذا الاخراج سيكلفنا خسائر اكبر بمقدورنا ان لا ندفعها اذا تركنا الجماعة على حالها او توافقنا معها على تسويات تصلح اوضاعها ..وتخدم بلدنا ايضا.