الاحتياطي الفيدرالي يستعد لرفع أسعار الفائدة مرة أخرى

صنارة نيوز - 2016-12-12 22:35:44

يحاول البنك المركزي الأميركي أن يوائم التوقعات التي تتعلق بإجراءاته. فلم يتفاجأ أحد بشكل كبير عندما قام برفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ العام 2006 في كانون الأول (ديسمبر) العام 2015، مترجماً نواياه آن ذاك إلى نقطة إنطلاق. وبالمثل، في حال اجتمعت الآراء بنسبة ساحقة في الأسواق المالية، سوف ترتفع أسعار الفائدة في الرابع عشر من الشهر الحالي مرة أخرى –بعد عام تقريباً من رفعها آخر مرة، وذلك إلى مستوى مستهدف يتراوح بين 0.5 % و0.75 %. 
وربما تُقلق تغريدات دونالد ترامب واتصالاته الهاتفية التجارة، لكن جانيت يلين -رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي- تعمل على تغيير السياسة النقدية ولو أن ذلك يتم بوتيرة يشدوها الحذر سنوياً.
ومع ذلك، من ناحية أخرى، يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي يشوش التوقعات، ونقصد بها تلك التي افترضها هو نفسه. وقبل عام من الآن، كان الفيدرالي يتوقع أربعة ارتفاعات لأسعار الفائدة للعام 2016. ولم تحدث أيها في الحقيقة. وربما يبدو هذا الأمر وكأنه ردة فعل مباشرة على مجموعة من الأحداث. ففي بداية العام، تراجعت أسواق الأسهم بسبب مخاوف تعلقت بالنمو الصيني. ومن ثم، في حزيران (يونيو)، صوتت بريطانيا لقرار مغادرة الاتحاد الأوروبي، متسببة بصداع آخر للأسواق لبعض الوقت. ولكن تأخير رفع الفائدة يعود أيضاً إلى قبول مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي تدريجيا بأن المعدلات المنخفضة أصبحت سمة تدوم أطول في الاقتصاد. وفي أيلول (سبتمبر)، توقع جميع مقرري المعدلات أن تستقر أسعار الفائدة في النهاية عند مستوى يدنو الـ3 %، منخفضةً من 3.5 % عند نقطة "الإنطلاق" قبل عام من الآن. ومنذ حزيران (يونيو) ويلين تقول وتكرر أن معدلات الفائدة المنخفضة تغذي الاقتصاد بشكل "متواضع" ليس إلا. 
والآن، على الرغم من ذلك، يقف الاحتياطي الفيدرالي على أهبة الاستعداد للتحرك مجدداً. ويمكن أن يكشف إلقاء نظرة على سوق العمل السبب في ذلك. ففي العام الماضي، كانت معدلات البطالة منخفضة فعلياً عند 5 %. ومنذ ذلك الحين، خلق الاقتصاد متوسط 188.000 فرصة عمل في كل شهر. وفي البداية، ساعد ذلك في توظيف وإشراك العمال من مقتبل العمر، الذين انهارات أعدادهم بشكل مقلق بعد الأزمة، ورفع نسبة تواجدهم في سوق العمل. وقد ارتفعت هذه النسبة من 80.6 % في أيلول (سبتمبر) العام 2015، إلى 81.6 % بحلول تشرين الأول (أكتوبر) العام 2016، وهي طفرة جاءت أسرع وأقوى من أي طفرة سبقتها منذ العام 1985. وأبقى تضخم أعداد الباحثين عن عمل معدلات البطالة ثابتة تقريباً، على الرغم من إزدهار وارتفاع فرص العمل. 
ومع ذلك، في تشرين الثاني (نوفمبر)، انخفضت نسبة المشاركة بشكل طفيف. وكنتيجة لهذا الأمر، عادت دوامة خلق فرص العمل إلى تخفيض معدلات البطالة مجدداً. 
ويقول الصقور أن مشاركة من هم في مقتبل العمر قد بلغت حدها، ولذلك يبقى هناك القليل من الركود في سوق العمل. وها هي مقاييس أخرى للأوضاع تظهر. وقد أصبح الأمر يستغرق الآن 28 يوماً لملء شاغر وظيفي، صعوداً من 23 يوماً فقط في العام 2006، وفقاً  لتورستن سلك من "دويتشه بنك". وتقبع صعوبات التوظيف بين مخاوف الشركات الصغيرة والكبيرة الأكبر. وفي ظل الضجة التي تحيط بأجندة ترامب الرامية إلى حماية الوظائف من استغلال العمالة الأجنبية ونقل الأعمال إلى الخارج، تم تسريح أعداد أقل من العمال في أيلول (سبتمبر) مقارنة بأي شهر منذ البدء بجمع البيانات في العام 2000. 
ويقول الحمائم أن هذه المسألة ليست أكثر من سراب. فقد صعدت مشاركة من هم من مقتبل العمر بمجرد ثلث المستويات التي كانت عليها قبل الركود. وحتى بين هؤلاء الذين يعملون، ما تزال هناك أعداد هائلة من العاملين في وظائف بدوام جزئي الطامحين للعمل بدوام كامل.
 وسوف يكون تضخم الأجور والأسعار الحكم النهائي في هذا الجدل الدائر. وفي حال أدى الاقتصاد جيداً، فكلاهما سيصبحان في وضع أفضل. وفي الوقت الراهن، تتجاوز الأجور المقدرة بالساعة بنسبة 2.5 % تقريباً أجور الساعة للعام الماضي. ولكن الباحثين من "الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو" اقترحوا أن الكم الكبير للمتقاعدين الذين يتمتعون بأجور هائلة أساساً تسحب هذا المعدل إلى الأسفل. وتظهر التدابير المخصصة للتخلص من هذه المشكلة أن الحل يكمن في رفع متوسط الأجور المحسوبة بالساعة بنسبة 3.9 %، بنفس المستوى السخي الذي كان عليه الحال في العام 2007. 
وأما بالنسبة للتضخم، فلم يعد بعد إلى هدف الـ2 % الذي ينشده الاحتياطي الفدرالي. لكنه يقترب من هذه النسبة. وباستثناء المواد الغذائية والطاقة، فالأسعار أعلى بنسبة 1.7 % مما كانت عليه قبل عام مضى، وفقاً "للتدبير المفضل" للاحتياطي الفيدرالي، صاعدةً من %1.4  في نهاية العام الماضي. ويعزي الحمائم أنفسهم بأنه، حتى بعد رفع أسعار الفائدة، ستبقى السياسة النقدية فضفاضة بشكل غير اعتيادي لهذه النقطة في الدورة الاقتصادية. وهذا يعكس جزئياً مستوى تباين المخاطر التي يواجهها الاحتياطي الفيدرالي. وفي حال هزت الاقتصاد صدمة غير متوقعة، سيكون هناك مجال لخفض معدلات الفائدة من أجل التعويش عن ذلك. وهذا، كما تعترف به السيدة يلين عادة، يبرر إبقاء أسعار الفائدة دون المستويات التي يجب أن تكون عليها في وضع آخر.  
ومع ذلك، بدأ خطر التضخم بسلوك مسار تصاعدي. ويغلب الظن أن الكونغرس سيخفض الضرائب في العام القادم. وقد يستلزم الأمر معدلات فائدة أعلى لوقف أي حوافز مالية، لاسيما وأنها أصبحت تضخمية. ومنذ الانتخابات، واصلت توقعات التضخم في الأسواق في الاتجاه صعوداً، الأمر الذي بدأ في شهر أيلول (سبتمبر). لكن عائدات سندات الخزانة، التي تعكس في جزء كبير توقعات التجار لسياسة الاحتياطي الفيدرالي، ارتفعت بشكل هائل. ويلعب ارتفاع أسعار النفط، إلى جانب احتمالية فرض ترامب التعريفات الجمركية على الواردات، دوراً مهماً أيضاً. فكلتاها سوف تحدد النمو، لكنها ستفعل ذلك في جزء منه عبر دفع الأسعار إلى الأعلى.  
وها هي غلة السندات التي تواصل ارتفاعها والدولار الأقوى تعصر الاقتصاد وتضغط فعلياً. لذلك، أدارت السيدة يلين التوقعات بحذر موضحةً أن رفع أسعار الفائدة الآن لن يؤدي إلى تفاقم هذه الاتجاهات. فالأمر الذي سيفاقم هذه الاتجاهات في الحقيقة هو أي تلميح من الاحتياطي الفيدرالي إلى نوايا المزيد من رفع أسعار الفائدة، لا دفعها إلى الوراء. ولأول مرة في سنوات، لا يبدو هذا الأمر غير واردٍ.