"النقد الدولي": الصراعات تتعمق في منطقة الشرق الأوسط
صنارة نيوز - 2016-10-02 09:26:20 تتعمق الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، وفقا للتقرير السنوي للمجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الصادر مؤخرا عن السنة المالية المنتهية في 30 نيسان (إبريل) 2016.
وعزا التقرير ذلك التعقيد في الصراعات إلى ثلاثية هبوط أسعار النفط والصراعات الإقليمية واحتمالات بطء النمو العالمي.
وبين التقرير إنه بعد انحسار هذه الصراعات خلال التسعينيات من القرن الماضي اتسع نطاقها وزادت حدتها في أوائل القرن الذي تلاه.
وتزايدت الصراعات الداخلية مما أثر على المدنيين، خاصة نتيجة لاتساع دور جماعات عنيفة غير تابعة لدولة مثل تنظيم داعش، وكانت التكاليف الإنسانية فادحة.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يزيد على 250 ألف نسمة لقوا حتفهم، بينما جُرِح ما يزيد على مليون نسمة جراء الصراع السوري وحده.
وبحسب التقرير، بلغت أعداد النازحين داخليا في المنطقة 19.3 مليون نسمة، وسجل مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين 9.3 مليون مواطن من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان كلاجئين في منتصف 2015 (لا يتضمن عدد اللاجئين الفلسطينيين).
كما كان للصراعات آثار اقتصادية أليمة على البلدان المتأثرة بصورة مباشرة والبلدان المجاورة، وأصبح إجمالي الناتج المحلي السوري اليوم أقل من نصف المستويات التي كان عليها قبل الحرب، في حين تشير التقديرات إلى أن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في اليمن تقلص بأكثر من 40 % منذ العام 2010.
ووفقا لتقارير البنك الدولي، تسبب الصراع في سورية في خفض نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في لبنان بنحو 3 نقاط مئوية سنويا منذ بدايته.
وأوضح التقرير أن الصراعات تؤثر على النشاط الاقتصادي من خلال قنوات متعددة، فالصراعات تخفض أرصدة رأس المال البشري والمادي من خلال وقوع الضحايا، ونزوح السكان بأعداد كبيرة، وتدمير البنية التحتية والمباني والمصانع، وقد تسببت في اضطراب سبل الإنتاج وطرق التجارة.
ونظرا لأن الصراعات تخلق شعورا بعدم اليقين، فإنها تتسبب في إضعاف الثقة، ومع إضعاف المؤسسات وتراجع أرصدة رأس المال البشري والمادي تنخفض كذلك معدلات النمو الممكن.
ويرى التقرير إن أعباء الصراعات غالبا ما تقع على كاهل الفقراء والفئات الضعيفة، نظرا لأن الضغوط التي تفرضها الصراعات على الموازنات العامة على سبيل المثال نتيجة زيادة الإنفاق على البنود الأمنية والعسكرية، أو بالنسبة للبلدان المجاورة نتيجة استضافة اللاجئين (غالبا ما تزاحم النفقات الاجتماعية أو تخفض جودة الخدمات العامة).
ويعتبر التقرير أن الصندوق قام بدور بناء في تخفيف تأثير الصراعات، وخاصة في البلدان المجاورة، فقد ساعد على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي ودعم الجهود الدولية لتدبير التمويل من أجل البلدان التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين كالأردن.
ووفقا للتقرير، قدم الصندوق خلال السنة المالية الماضية تمويلا للبلدان المتأثرة بانخفاض أسعار السلع الأولية والكوارث الطبيعية.
واشار الصندوق في تقريره السنوي إلى أنه اتسع خلال هذه السنة نطاق معرفة الصندوق بالانعكاسات الاقتصادية الكلية للقضايا المستجدة، مثل الهجرة، وتباطؤ التجارة العالمية، وعدم المساواة في الدخل، وعدم المساواة بين الجنسين، فيما يجري حاليا تحليلات أعمق للإصلاحات الهيكلية بما فيها أحد فصول تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الذي يلقي الضوء على علاقة التكامل بين الإصلاحات الهيكلية والسياسات الاقتصادية الكلية.
تأثير انخفاض أسعار النفط على المنتجين في الشرق الأوسط
شهد كثير من البلدان المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط نموا اقتصاديا سريعا في الفترة بين 2004 و2014 يدعمه ارتفاع أسعار النفط.
ومع هبوط أسعار النفط بما يزيد على 70 % منذ منتصف 2014 وتوقعات بقائها في مستوى أقل لفترة أطول، أصبحت هذه البلدان تواجه بيئة محفوفة بتحديات غير عادية، كما يرى التقرير.
وتؤدي عوامل أخرى، منها الصراعات الإقليمية واحتمالات بطء النمو العالمي، إلى زيادة الآفاق تعقيدا، وكان أفضل الطرق لتكيف البلدان المنتجة للنفط في المنطقة مع بيئة أسعار النفط الجديدة هو الموضوع الذي تناوله خبراء الصندوق في جلسة إحاطة المجلس التنفيذي في آذار (مارس) 2016.
ويشير التقرير إلى أن هبوط أسعار النفط أدى إلى تكبد خسائر فادحة في الحسابات الخارجية والمالية العامة لدى البلدان المنتجة للنفط في المنطقة، وتراجعت إيرادات تصدير النفط في البلدان أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجزائر بنحو 315 مليار دولار في 2015، ومن المتوقع أن تتراجع مجددا بمقدار 130 مليار دولار هذا العام، حيث يُتوقع تدهور أرصدة الحسابات الخارجية بنحو 27 % من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بعام 2013.
وانعكاسا لهذه الخسائر، يُتوقع تراجع أرصدة المالية العامة بنحو 21 % من إجمالي الناتج المحلي في 2016 مقارنة بالعام 2013.
وكان استخدام الاحتياطيات هو أساس الاستجابات المبدئية على مستوى السياسات. واتُخِذت بعدها تدابير مهمة لتخفيض العجز أثناء النصف الثاني من 2015، وتشير موازنات هذا العام إلى تكثيف الجهود على مستوى السياسات.
وتركز التصحيح على تخفيض الإنفاق العام، مع قيام عدة بلدان بكبح النفقات الرأسمالية التي ازدادت أثناء فترة ارتفاع أسعار النفط، كذلك بدأ كثير من البلدان ينفذ إصلاحات كبيرة في أسعار الطاقة، منها رفع أسعار خدمات المرافق، والتي تشمل، في عدد قليل منها، استحداث آليات التسعير التلقائي.
كذلك ينظر عدد من البلدان في إيجاد مصادر جديدة للإيرادات، بينما يخطط مجلس التعاون الخليجي لفرض ضريبة القيمة المُضافة في السنوات المقبلة.
وبينما يبدو تأثير انخفاض أسعار النفط واضحا من خلال تشديد سياسة المالية العامة، توقع التقرير تباطؤا في النمو في البلدان المنتجة للنفط في المنطقة بقدر كبير في 2016، وأن يظل مكبوحا في السنوات المقبلة في ظل هذه البيئة، أصبحت الحاجة أكبر إلى الحد من الاعتماد على النفط.
وأضاف: "لم تعد هناك إمكانية لاستمرار نموذج نمو يقوم على التوسع المستمر في الإنفاق الحكومي وتوظيف العمالة. ومن ثم، يتعين على صناع السياسات تعزيز سياسات تدفع دور القطاع الخاص في توفير فرص العمل التي تشتد الحاجة إليها والحفاظ على النمو طويل الأجل لتوفير الفرص أمام القوى العاملة سريعة النمو في المنطقة".
وحول الارقام المالية للصندوق، بين التقرير السنوي تضمن الإقراض بشروط غير مُيَسَّرة الذي قدمه الصندوق التزامات جديدة بقيمة 8 مليارات دولار صدرت الموافقة عليها في السنة المالية 2016، حسب نوع الإقراض إضافة إلى 1.2 مليار دولارا تفاقات الاستعداد الائتماني، و5.5 مليار دولار خط الائتمان المرن، و1.3 مليار دولار أداة التمويل السريع.
اما الالتزامات في هذا الاطار، بلغت 178 مليار دولار تتضمن مجموع الالتزامات غير المسحوبة والائتمان القائم في 30 نيسان (إبريل) 2016، أما طاقة الإقراض فتبلغ 975 مليار دولار تتضمن حصص العضوية والاتفاقات الجديدة للاقتراض، واتفاقات الاقتراض المبرمة في 2012، في 30 نيسان (إبريل) 2016، ناقص الأرصدة الاحترازية.
وفيما يخص الإقراض بشروط مُيَسَّرة فقد تضمن قروض غير مسحوبة بقيمة 8.6 مليارات دولار، تتضمن أرصدة الالتزامات غير المسحوبة بموجب اتفاقات الاقتراض في ظل الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر، في 30 نيسان (إبريل) 2016، والتزامات بقيمة 11.4 مليار دولار تتضمن مجموع الالتزامات غير المسحوبة والائتمان القائم، في 30 نيسان (إبريل) 2016، والتزامات جديدة 1.2 مليار دولار صدرت الموافقة عليها في السنة المالية 2016، حسب نوع الإقراض، بما فيها الزيادات 258.7 مليون دولار التسهيل الائتماني الممدد و792.4 مليون دولار تسهيل الاستعداد الائتماني و126.4 مليون دولار.
التسهيل الائتماني السريع
ويقدم صندوق النقد الدولي بشكل عام نوعين من القروض، قروضا تُقَدَّم بأسعار فائدة مرتبطة بالسوق (بشروط غير مُيَسَّرة)، وقروضا يقدمها للبلدان منخفضة الدخل بشروط مُيَسَّرة، بأسعار فائدة منخفضة أو صفرية في بعض الحالات.
ويرى التقرير أن الأزمة المالية العالمية أكدت أن تحليل وإدارة مخاطر المالية العامة على نحو شامل يمكنهما المساعدة في ضمان سلامة الماليات العامة واستقرار الاقتصاد الكلي. وأشار إلى أنه على مدار رُبع القرن الماضي، شهدت الحكومات في المتوسط صدمة مالية سلبية بنسبة 6 % من إجمالي الناتج المحلي مرة كل 12 عاما.
ويسهم الصندوق بدور حيوي في تحسين تحليل وإدارة مخاطر المالية العامة بين بلدانه الأعضاء. وفي أوائل السنة المالية 2017 صدرت دراسة بعنوان "تحليل وإدارة مخاطر المالية العامة" Analyzing and Managing Fiscal Risks، توضح مدى حاجة البلدان للتفهم التام للمخاطر المحتملة التي تحيط بمركزها المالي. فإجراء تقييم شامل ومتكامل للصدمات المحتملة في ماليات الحكومات، في هيئة اختبار القدرة على تحمل الضغوط المالية، يمكن أن يساعد صناع السياسات على محاكاة آثار الصدمات على تنبؤاتها الأساسية. وتتمثل الركيزة الأساسية لمثل هذا التحليل في إعداد بيانات شاملة وموثوقة وحديثة عن حالة المالية العامة بحيث تشمل كل الكيانات العامة والأرصدة والتدفقات.
وتخلُص هذه الدراسة إلى ضرورة تعزيز البلدان من قدراتها لتخفيف مخاطر المالية العامة وإدارتها وذلك بالتوسع في مجموعات أدواتها لإدارة مخاطر المالية العامة والاستعانة بأدوات لتحويل المخاطر واقتسامها وتحديد المخصصات اللازمة لمواجهتها. وفي هذا السياق، يتعين على البلدان الموازنة بين مزايا الحد من التعرض للصدمات والتكاليف المالية وغيرها لما قد يتطلبه ذلك من سياسات.
ويشدد التقرير على ضرورة أن تحرص البلدان على تحقيق الاستفادة القصوى من أساليب التنبؤات الاحتمالية عند وضع أهداف سياسة المالية العامة في الأجلين الطويل والمتوسط. ومن الممكن استخدام هذه الأساليب لتحديد أوجه عدم اليقين المحيطة بمسارات الدين العام متوسطة الأجل. وبإمكان هذه الأدوات، إلى جانب اختبارات قدرة المالية العامة، أن توفر معلومات قيِّمة حول احتمالات بقاء بلد ما ضمن الحدود القصوى للديون المتضمنة في قواعد المالية العامة التي وضعتها.
ويقدم الصندوق مساعدته للبلدان الأعضاء في تقييم وإدارة مخاطر المالية العامة وذلك بتقديم المساعدة الفنية حول كيفية إعداد الميزانيات العمومية في القطاع العام، وإقامة المؤسسات وبناء القدرات لتحديد مخاطر معينة تحدد المالية العامة وتحديد مدى تأثيرها المحتمل، وإجراء اختبارات قدرة المالية العامة على تحمل الضغوط، ودمج المخاطر في تصميم أهداف المالية العامة على المدى المتوسط.
السياسة الضريبية
ويصدر خلال السنة المالية 2017 تقرير للعرض على المجلس التنفيذي حول "السياسة الضريبية، والرفع المالي والاستقرار الاقتصادي الكلي".
ويبحث التقرير في تأثير مختلف تصميمات السياسة الضريبية على استقرار الاقتصاد الكلي. ومن أهم القضايا في هذا الشأن التأثير الذي يخلفه التمييز بين سندات الدين وأسهم الملكية في العديد من نظم ضرائب الشركات على قرارات الشركات بالاستعانة بالرفع المالي.
وبتشجيع رفع نسب ديون الشركات يمكن أن تؤدي مثل هذه الحوافز الضريبية إلى زيادة احتمالات إعسار الشركات وفي النهاية تكون لها انعكاسات على احتمالات استقرار الاقتصاد الكلي.
ويبحث التقرير في فعالية وكفاءة إصلاحات السياسات الضريبية التي تعمل على تحييد أثر هذا التحيز للديون، مثل أنواع القيود البديلة لإمكانية خصم مدفوعات الفائدة، والخصومات المماثلة للعائدات على أسهم الملكية، ومزيج من الاثنين.
وباستخدام بيانات على مستوى الشركات وقاعدة بيانات منشأة حديثا حول قواعد رأس المال المحدود، يتناول هذا التقرير التقييم التجريبي لتأثير السياسات المستحدثة مؤخرا فيما يتعلق بنسب دين الشركات ويبحث آثارها على المؤشرات الأوسع نطاقا لمخاطر تخلف الشركات عن سداد التزاماتها.
ويستعرض التقرير أيضا تقييم انعكاسات الإصلاحات المختلفة على الإيرادات.
كذلك يبحث هذا التقرير في دور الضرائب التصحيحية في التخفيف من حدة المخاطر على الاستقرار المالي، فعلى سبيل المثال هناك بعض الرسوم المصرفية الخاصة يمكنها تحفيز رسملة البنوك ومن ثم تعزيز الاستقرار المالي. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام السياسات الضريبية مثل ضرائب الأرباح الرأسمالية، وضرائب المعامات العقارية، والضرائب العقارية المتكررة، للتأثير على تطورات أسعار العقارات، وبالتالي إمكانية التخفيف من حدة المخاطر. ويجري تقييم هذه السياسات بالمقارنة مع انعكاساتها الأوسع نطاقا على الرفاهية.