أما الصيادلة فلا عزاء لهم!
صنارة نيوز - 2016-08-31 06:06:58الصيدلي محمد حسني سدر
ليس في هذا العنوان مبالغة، أو تُقصد منه الإثارة؛ فمهنة الصيدلة مأزومة، وممارسوها يعانون، منذ عشرات السنين، من الظلم الواقع عليهم من جهات رسمية صاحبة العلاقة مع هذه المهنة، قبل أن يساهم بعض الصيادلة من أصحاب المصالح الخاصة في زيادة تأزيم المهنة.
القوانين والأنظمة التي بدأ صدورها العام 1972؛ "قانون مزاولة مهنة الصيدلة" و"قانون نقابة الصيادلة"، احتوت على مواد قاسية بحق الصيادلة، وعقوبات صارمة ليس لها مبرر. وأنا لا أدافع عمن يخالف القانون، لكن مخالفي القانون موجودون في كل المهن، وبعضها أخطر من مخالفة الصيدلي، ولا نجد مثل تلك العقوبات في قوانين المهن الأخرى.
عانت مهنة الصيدلة من عدم تفهم مسؤولين لمطالب الصيادلة منذ السبعينيات، وبعضهم كان يقصد التضييق على الصيادلة لأسباب غير معروفة. فمجلس نقابة الصيادلة كان يقابل كل وزير صحة ويقدم له مطالب المهنة، ونسمع وعودا من دون أي استجابة.
بدأت نقابة الصيادلة تقدم اقتراحات بتعديل مواد القوانين منذ العام 1975. ولم تتم الاستجابة إلا في العام 2000؛ أي بعد خمسة وعشرين عاما، وبقانون مؤقت لقانون مزاولة المهنة، تم إقراره كقانون دائم العام 2013، رغم عدم دستورية ذلك؛ لمرور أكثر من ثلاث سنوات على القانون المؤقت، إذ يجب إلغاء "المؤقت" إذا مرت ثلاث سنوات من دون إقراره قانونا دائما. أما الاستجابة لتعديل قانون النقابة، فتمت في العام 2015، بتعديل فيه من السلبيات والتناقضات الكثير.
وأستعرض هنا بعض القضايا التي احتوت سلبيات، وفيها ظلم كبير أثر كثيراً على الصيادلة والمهنة.
- منذ العام 1978، لم تتم زيادة المصاريف الإدارية للصيدليات والمستودعات، رغم مطالبة النقابة كل مسؤول بذلك. فكل بند من المصاريف تضاعف عشرات ومئات المرات؛ مثل أجرة المكان، ورواتب الموظفين، ومصاريف المياه والكهرباء... إلخ. فمثلا، أجرة المحال ارتفعت 1000 %، وكذلك رواتب الموظفين. فكل أجور المهن والأسعار، من دون أي استثناء، ارتفعت، فكيف للصيدلي تحمل هذه الارتفاعات، إضافة إلى تكاليف المعيشة.
وقد يقول قائل إن أرباح الصيدليات كافية، بدليل الخصم الذي يقدمه عدد منها، كما قال بعض المسؤولين. ونرد على هذه الحجة بأن الذي يخصم يخالف نصا واضحا في القانون، وتجب معاقبته. إذ هي ممارسة يهدف صاحبها لأن يزيد مبيعاته على حساب زميل له، ومعظم ممارسيها لهم طرق غير قانونية لتعويض ذلك، وليسوا نموذجا لكل أصحاب المهنة. ومهنة الصيدلة تقدم خدمة بالأساس ولا تبيع سلعة. ولماذا كل هذه القوانين والعقوبات على أي ممارسة بعيدة عن أخلاق المهنة إذا كان الصيدلي بائع سلعة؟
أما الرد على من يقول إن أرباح الصيدليات في الأردن أكثر من غيرها من بعض الدول العربية، فهو أن المبيعات في بعض الدول لا تقارن بالمبيعات في الأردن. فالصيدلية في تلك الدول مشروع تجاري، ليست محصورة ملكيته بالصيادلة. وهي دول قليلة جدا، والوضع الاقتصادي فيها مغاير للوضع في الأردن. أما معظم دول العالم التي نحب أن نقارن أنفسنا بها، فالأرباح في صيدلياتها أضعاف الأردن.
تعاني مهنة الصيدلة من سلبية فرض ضريبة المبيعات على الأدوية. ولم نجد أي مسؤول ينظر إلى هذه المسألة بجدية. فهل من المنطق أن نعاقب من يمرض فنجعله يدفع ضريبة عند مرض؟! وتبعات دفع وتحصيل الضريبة تشكل عبئا على الصيدلي، وتعرضه للمساءلة في أمور قد تضطره إلى تعيين موظف خاص، مما يزيد من أعباء المصاريف الإدارية عليه. وقد لجأت الحكومة إلى تخفيض الجمارك سابقاً على الألبسة والأحذية. أفليس الدواء أحق أن نخفض عنه عبء الضريبة؟!
أعود لموضوع القوانين التي تم تعديلها. فجميع المواد كانت تتم دراستها ووضع مسودة تعديلها من قبل لجنة تمثل وزارة الصحة ونقابة الصيادلة، ثم يتم إقرارها في ديوان التشريع. وعند عرضها على اللجنة الوزارية كانت تتم تغييرات كبيرة وحساسة، فيها سلبيات حسب رأي النقابة، وتناقض أحيانا. وأورد بعض السلبيات في القوانين التي تم إقرارها:
1 - العقوبات التي وضعت في قانون الدواء والصيدلة قاسية، وبعضها غير مبرر. ومرة أخرى، نحن لا ندافع عن بعض المخالفات التي تتعلق بالدواء المزور أو المهرب أو دواء المؤسسات الرسمية، ولو كانت العقوبة هي السجن. لكن العقوبات الأخرى، وإغلاق الصيدلية، مبالغ فيها، فلا داعي لأن تكون بهذه القسوة.
2 - إصرار الجهات الرسمية على استحداث إنشاء شركات مجموعة الصيدليات، رغم معارضة النقابة منذ البداية وطيلة دراسة القانون، وخلال عرض القانون المؤقت على مجلس النواب. وقد تم إقناع اللجنة الصحية في مجلس النواب بإلغاء المادة التي تبيح ترخيص شركة صيدليات، إلا أنه تم التراجع عنه وإقراره، نتيجة تدخل أصحاب المصلحة وذوي النفوذ.
إن معارضة النقابة، منذ البداية وقبل أن نرى الشكل السلبي لممارسة عدد من هذه الشركات، تستند إلى أن ممارسة مهنة الصيدلة ليست تجارة ولا استثمارا، بل هي تقديم خدمة، وتعتمد على أخلاقيات المهنة. فإذا أصبحت تجارة، فستنتفي غالباً تلك المبادئ، كما هو الوضع الآن بشكل عام. ثم إن شركات مجموعة الصيدليات غير موجودة إلا في عدد ضئيل من دول العالم.
أيضاً، غيرت هذه الشركات كثيراً في أوضاع الصيدليات وملكيتها وترخيصها، وشكلت خطرا على أكثر من ألف صيدلية موجودة في الأردن، أنشئت بجهد وتمويل أشخاص قضوا عمرهم في ذلك. فهل من المنطق أن نجازف بالقضاء على هذه المؤسسات الوطنية لكي يمتلك بدلا منها عشرات الصيدليات شخص واحد أو اثنان، لاسيما أن ممارسات معظم هذه الشركات غير قانونية في الاحتكار. إضافة إلى أن بعض أصحاب الأموال من غير الأردنيين أصبحوا من الشركاء، والذين تسجل باسمهم بعض الصيدليات ليسوا سوى أصحاب تسجيل شكلي. فهل من مخرج قبل فوات الأوان؟ أين الغيورون على المصلحة العامة؟
3 - من مظاهر التسيب واللامبالاة في التعامل مع هذه المهنة المظلومة، عدم متابعة تعديل الأنظمة القائمة مع تعديل قانون الدواء والصيدلة وقانون النقابة واستحداث الأنظمة التي نص عليها التعديل. أوليست هذه سلبية كبيرة؟
4 - تعديل قانون النقابة في العام 2015 أدى إلى قانون مليء بالتناقضات والسلبيات، فلا بد من إعادة النظر فيه بأسرع وقت ممكن. وأقول بثقة إن وزارة الصحة تتحمل المسؤولية العظمى عن ذلك، بتجاهلها مشروع القانون الذي أقرته الهيئة العامة.
أما موضوع التجسير الذي أصبح بلا قيد ولا قانون، فتنظمه وتحكمه مصلحة جامعات خاصة بهدف الربح المادي، فقد أضاف أعدادا كبيرة من المرخصين من دون كفاءة علمية ولو بحدها الأدنى، وبلا إعداد كاف ليكونوا صيادلة ملتزمين. وقد زاد ذلك من مشكلة البطالة. إضافة إلى أن عدد كليات الصيدلة في الأردن وصل -كما أظن- إلى خمس عشرة كلية، كما في الدول التي عدد سكانها يزيد على خمسين مليون نسمة.
والحل هو أن تتم إعادة النظر من قبل الجهات الرسمية ذات العلاقة بطريقة التعامل مع المهنة، وتعديل القوانين لتصبح متوازنة، وإنصاف الصيدلي ومهنته مثل بقية المهن الأخرى (كم كانت أتعاب الطبيب والمحامي والمهندس في العام 1978، وكم هي الآن؟). كما أن تصبح متوافقة مع العصر ومع المصلحة العامة؛ فمهنة الصيدلة ليس فقط بيع دواء للمواطن، بل هي صناعة دوائية وتصديرها؛ وكليات صيدلة تخرج صيادلة أكفاء وبمستوى عال، يدعمون الاقتصاد الوطني.
المشكلة الأخرى التي ساهمت في تردي الأوضاع في نقابة الصيادلة، فهي تجاهل القانون بإجراء انتخابات لمجلس نقابة الصيادلة بعد استقالة المجلس السابق العام 2014، ووضع الحجج الواهية بانتظار تفسير القانون الواضح. ولا أريد أن أسهب في الموضوع كثيرا عن سلبيات غياب المجلس على المهنة والمجتمع، فقد قيل فيه الكثير.
لا بد من الإشارة إلى أن ممارسات بعض الصيادلة وتساهلهم في الإساءة إلى المهنة ومخالفة القوانين وأخلاقيات المهنة، لها دور في تردي الأوضاع المهنة. ولعل غياب مجلس النقابة وعدم تقديم المخالفين لمجلس التأديب، قد أعطى فرصة لذوي النفوس الضعيفة للاستمرار في عملهم.
إن مهنة الصيدلة، وخاصة في الصيدليات، تشهد تسيبا كبيرا في التنظيم؛ مثل الدوام والعطلة الأسبوعية والخصومات والتعامل مع شركات التأمين الصحي. فهذه من مهام مجلس النقابة الذي تم تغييبه للعام الثاني، ما أعطى الفرصة أيضا لاستقواء شركات الصيدليات على الصيدليات الفردية، في مخالفة للقانون الذي يلزم تعويم التعامل مع جميع الصيدليات، وأن تلتزم الشركات بنصوص الاتفاقية مع نقابة الصيادلة من حيث نسبة الخصم والموعد الأقصى لتسديد المطالبات وغيرها. كما أن هناك ضرورة ماسة لتنظيم التعامل بين مستودعات الأدوية والصيدليات بإشراف مجلس نقابة منتخب، إذ إن العلاقة بين القطاعين يشوبها كثير من التحكم والاستقواء.
أيها السادة أصحاب القرار في هذا الشأن، أقول لكم بصراحة: إن المسؤول في الأردن هو أول من يعاني إذا ما استمرت السلبيات في مهنة الصيدلة، والمواطن ثانيا. فكل المشاكل سوف تحول إلى وزارة الصحة ومديرية الغذاء والدواء، ثم بعدهما ستأتي نقابة الصيادلة. فلا توجد مصلحة وطنية في تهميش نقابة الصيادلة وإضعافها وحتى إلغاء دورها. فهي تمارس دورها بموجب قوانين وأنظمة وتعليمات. ونقابة صيادلة الأردن كانت تفتخر في كل اجتماعات اتحاد صيادلة العرب بأنها نقابة مهنية، تأتي من خلال انتخابات حرة نزيهة، ولا أحد يتدخل فيها. أما ممثلوها، فكانوا دائما مميزين نقابيا ومهنيا.
هل من مجيب لهذا النداء، أم سيبقى الصيادلة لا عزاء لهم؟