الخروج من «علبة»الحلول الجاهزة..!!

صنارة نيوز - 2016-01-19 09:07:32

حسين الرواشده

اذا شئت ان تفهم ما حدث للناس، وان تعرف ماذا يريد الناس، وان تفك “ألغاز” ما تراه في المشهد العام، من مواقع المسؤولية الى الشارع، ومن الطالب في مدرسته الى الحزبي في حزبه والوزير في وزارته.. فما عليك الا ان تفتش في( معادلة الدولة)، هذه التي نحتاج اليوم لإعادة النظر فيها كي تصبح قائمة على أساس العدل والكرامة والمواطنة الحقة والمسؤولية.. ولكي لا تتحول الى مجرد قوانين عرجاء.. أو أمن غليظ أو سلطة تتحرك عند الطلب، أو دائرة جباية وضريبة أو بحر عميق لا يترك فيه الحيتان مكاناً لبقاء سمكة واحدة. يمكن هنا ان نتساءل عن سر غياب المجتمع وعن اسباب استقالة الناس من السياسة وعن معنى ضعف المؤسسات والأحزاب، وعن جدوى تكسير الوسائط الاجتماعية والنخب الفاعلة والنزيهة، وعن نشوء طبقات جديدة من الانتهازيين وعن شيوع ثقافة “اكسب واهرب” وعن تراجع هيبة الدولة في عيون الناس، ستكتشف أن الدولة أكلت ابناءها.. او ان ابناءها، بعضهم قصّر بحقها وبعضهم يحاول ان يخرج عن وصايتها. بصراحة، إذا اتفقنا على ان مجتمعنا تعرض في السنوات الماضبة لإصابات عميقة، سواء على صعيد انتشار ظواهر “العنف” والسطو “والخاوة” والبلطجة وتجارة المخدرات، اوعلى صعيد انتشار مظاهر التسلح واتساع مناطق الولاءات الفرعية، والإحساس بتراجع هيبة الدولة والقانون، وتنامي الشعور بالاحباط والانسحاب من العمل في المجال العام، والتغيرات التي طرأت على الواقع الديمغرافي بفعل عوامل التهجير الداخلي والخارجي، والتوظيف السياسي للتجاذبات داخل المجتمع.. وغيرها من العوامل التي تسهم في إدامة مصادر الفزع والتوجس وفي إيقاظ نوازع القطيعة والصدام، فإن صورة بلدنا التي نراها أمامنا (وهي تعكس بالضرورة واقعنا) تبدو مفزعة حقا . لكن مهما تكن الصورة فان امامنا ( كما كتبت اكثر من مرة في هذه الزاوية) مهمتين يجب أن نتحرك باتجاههما في أسرع وقت ممكن، الاولى- اعادة الهيبة للدولة، والثانية- اعادة “العافية” للمجتمع، على صعيد المهمة الاولى، يمكن ان نستطرد في اثبات الضرورات الواجبة لتحقيق ذلك، ابتداءً من الاحتكام لموازين العدالة الى ترسيخ استقلالية المؤسسات الى بناء منظومة للنزاهة الوطنية.. وصولاً الى مراجعة وصفة الاصلاح والتوافق على مشروع سياسي يتناغم مع استحقاقات اللحظة ورغبات وتطلعات الناس، خاصة بعد ان اختبرنا الوصفة الاخيرة وثبت لنا بأن افرازاتها لم تكن كما توقع مصمموها..وبأنها – بالتالي – لم تسعفنا في الخروج من الازمة التي يعاني منها بلدنا. على صعيد اعادة العافية للمجتمع ايضاً يمكن التذكير بأن هذه المهمة تحتاج اولاً الى الخروج من حالة “الانكار” التي ما تزال نتعامل بها مع امراضنا الاجتماعية، وتحتاج ثانياً الى اجراء مصالحات داخل مجتمعنا تنهي حالة الانقسام والثنائيات واوهام الاشتباك والقطيعة، وتحرر الناس من اوهام الصراع والتنابذ، وتجرّم العبث في نواميسنا الاجتماعية والوطنية، بحيث يلتزم الجميع بعدم التدخل او اللعب في هذه الاوراق لا من جهة التوظيف السياسي ولا من جهة الاستخدام الديني او الفئوي او سواهما. لانجاز هاتين المهمتين نحتاج الى الخروج من “علبة” الحلول الجاهزة، والذهاب فوراً الى عنوان جديد بعيد عن المألوف الذي جربناه، واعني هنا بالمألوف “الفزعات” التي نهرب اليها عند أية مشكلة، او الوجوه التي تحاول “تسيّد” الصفوف لطرح مقارباتها، او المؤسسات التي لا تحظى بما يكفي من ثقة لدى الناس، او حتى المقررات الاسترضائية والاخرى الرادعة التي يتم تجريبها بلا جدوى. اذا سألتني عن “العنوان” الذي يفترض ان نذهب اليه سأجيبك بلا تردد : (الحكمة)، طبعا هذه القيمة تحتاج الى نخبة من الحكماء الموثوق بنزاهتهم ووطنيتهم ورجاحة رؤيتهم، بحيث يسند اليهم مهمة وضع ما يلزم من تصورات ومقترحات لاعادة هيبة الدولة اولا وتمكين المجتمع من النهوض بدوره ثانياً، وفي التفاصيل يمكن تشكيل لجنة من “الحكماء” من السياسيين والاكاديميين والاعلاميين من ذوي التجربة والخبرة، وممن يحظون باحترام اغلبية المجتمع، للبدء في اعداد مدونة اصلاح وطني، تكون بمثابة خطة ببرامج واضحة ومحددة زمنياً وبضمانات سياسية للتنفيذ، وتعطى هذه اللجنة مهلة شهر او شهرين لانجاز مهمتهما، وفي اثناء ذلك لا بد من عرضها للنقاش العام والتواصل مع المجتمع بكافة أطيافه لمعرفة توجهاته حولها.. وصولاً الى اعلانها عبر مؤتمر تشارك فيه كافة القوى السياسية والاجتماعية. هل يمكن ان نبادر الى ذلك؟ اتمنى، وان كان الافق ما زال مسدودا أمام اية امنيات. الدستور