مناخ اقتصادي داعم: تضخم منخفض وسياسة نقدية مستقرة

صنارة نيوز - 17/12/2025 - 7:10 am

مع توقعات تقارير دولية أن تسجل معدلات التضخم في المملكة أدنى معدل إقليميا خلال 2026، أكد اقتصاديون أن ينعكس ذلك إيجابا على استمرار جذب الاستثمار وتحقيق نسق متنامي للنمو الاقتصادي خلال العام المقبل. 

 


وأجمع هؤلاء الخبراء أن تقديرات تقرير "فيتش سوليوشنز" بتسجيل معدل التضخم في المملكة العام المقبل ما نسبته 1.7 % يحمل إشارات إيجابية مهمة تعكس متانة السياسة النقدية الأردنية وحسن أداء البنك المركزي، وقدرته على إدارة التحديات الداخلية والخارجية بكفاءة، في مرحلة إقليمية ودولية شديدة التعقيد.
وأشار الخبراء إلى أن نجاح الأردن في الحفاظ على معدلات تضخم منخفضة ومستقرة، واستقرار سعر صرف الدينار، وتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي، يشكل ركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويمهّد لمرحلة نمو أفضل خلال الأعوام المقبلة.
وأكدوا أن التوقعات بانخفاض التضخم واستمرار التيسير النقدي عالميا، إلى جانب تحسن المؤشرات المالية والاحتياطيات الأجنبية، تعزز جاذبية الاقتصاد الأردني للاستثمار، وتدعم فرص تحقيق نمو اقتصادي متدرج قد يصل إلى 3 % أو يتجاوزها في عام 2026، رغم التحفظات المرتبطة بضعف الحيز المالي للأسر وارتفاع الكلف المعيشية.
وكان تقرير لمؤسسة "فيتش سوليوشنز"، توقع أن يستمر معدل التضخم في الأردن عند نحو 1.7 % في عام 2026، مقارنة بنحو 1.9 % في 2025، رغم تسارع وتيرة النمو الاقتصادي، وهو ما يعكس قدرة الاقتصاد الأردني على استيعاب الطلب دون توليد ضغوط سعرية مرتفعة.
واعتبر التقرير أن الأردن يعد من بين الدول التي يتوقع أن تشهد أدنى مستويات التضخم إقليميًا خلال 2026، مقارنةً بمتوسطات أعلى في دول المشرق وشمال أفريقيا، وهو ما يعزز استقرار الأسعار ويدعم ثقة الأسواق بالسياسة النقدية.
وأعاد التقرير ذلك إلى استمرار انخفاض أسعار الطاقة عالميًا، إلى جانب قوة الدولار الأميركي المرتبط به الدينار الأردني، ما يحدّ من ارتفاع كلف الاستيراد، ويُبقي التضخم الأساسي والعام ضمن مستويات معتدلة.
وتوقع أن يواصل البنك المركزي الأردني دورة التيسير النقدي خلال عام 2026، انسجاما مع توجهات السياسة النقدية العالمية، وبالتوازي مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في ظل بقاء معدلات التضخم ضمن مستويات منخفضة ومسيطر عليها في المملكة.
وأشار التقرير إلى أن الأردن، إلى جانب عدد من دول مجلس التعاون الخليجي، خفّض أسعار الفائدة خلال عام 2025 بمقدار تراكمي بلغ نحو 75 نقطة أساس، مرجحا أن تتجه السياسة النقدية الأردنية إلى خفض إضافي بنحو 50 نقطة أساس خلال عام 2026، في حال واصل الفيدرالي الأميركي مسار التيسير النقدي.
ولفت التقرير إلى أن مخاطر السياسة النقدية في 2026 متوازنة، موضحا أن أي تصاعد في التوترات التجارية العالمية، أو عودة الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة، قد يدفع الفيدرالي الأميركي إلى التريث في خفض الفائدة، ما سينعكس على توجهات البنوك المركزية المرتبطة به، ومن بينها الأردن.
وتعد توقعات "فيتيش" للتضخم أقل من من معدلاتها المستهدفة في الموازنة العامة لعام 2026 عند 2 %.
وفي الاثناء أظهر التقرير الإحصاءات العامة الشهري حول الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم) أظهر  ارتفاعا بنسبة 1.81% للأحد عشر شهرا الأولى من عام 2025 مقارنة مع نفس الفترة من عام 2024.
أما على المستوى الشهري فقد ارتفع الرقم القياسي بنسبة 1.28 % لشهر تشرين الثاني من عام 2025 مقارنة مع الشهر المقابل من عام 2024، وانخفاضا طفيفا نسبته) 0.31 % (أقل من نقطة مئوية واحدة) لشهر تشرين الثاني من عام 2025 مقارنة مع شهر تشرين الأول الذي سبقه.
أداء البنك المركزي 
واعتبر الخبير الاقتصادي زيان زوانة أن تقرير "فيتش سوليوشنز" يشير لرصانة أداء البنك المركزي الاردني وسياسته النقدية التي حافظت على معدل تضخم صحي، جنب المواطن الاردني تبعات ارتفاع معدلات التضخم العالمية، في الدول المتقدمة والنامية، وحافظ فيه على القوة الشرائية  للدينار واستقراره، ما انعكس إيجابا من هذه الناحية  على ميزانية الأسرة  الاردنية وساهم  في استقرار الوضع الاجتماعي، ما يعتبر نقطة ارتكاز أساسية في الاقتصاد الاردني. 
وأكد زوانة أن استمرار معدلات التضخم عطفا على توقعات التقرير المذكور، سيكون لها انعكاس إيجابي على استمرار جذب الاستثمار وتحقيق نسق متنامي للنمو الاقتصادي، الذي كان بطيئا خلال الفترة الماضية بفعل الظروف العالمية والاقليمية المؤثرة على الاقتصاد الأردني. 
وأوضح زوانة أن ما حقق على مستوى إدارة التضخم واستدامة استقراراه محليا يعتبر إنجازا نقديا يسجل للبنك المركزي الاردني، وجانبا فاعلا في استمرار الجهاز المصرفي الاردني بلعب دوره الرئيسي في توفير التمويل الللازم للقطاعات الاقتصاديه، معربا عن أمله أن يتم استثماره مع هدوء الظروف الاقليمية، بما يقود  لتحقيق نمو اقتصادي أفضل يصل إلى ويتجاوز 3 % في العام 2026. 
دلالات إيجابية 
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة أن توقع تقرير “فيتش سوليوشنز” بشأن انخفاض معدل التضخم في الأردن إلى 1.7 % في 2026 (مقارنة بـ1.9 % في 2025)، يحمل دلالات إيجابية متعددة تعكس قوة ومرونة الاقتصاد الأردني، خاصة في سياق تسارع النمو الاقتصادي المتوقع. 
ومن هذه الدلالات استقرار اقتصادي مستدام، حيث تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الأردني قادر على استيعاب زيادة الطلب الداخلي والخارجي دون توليد ضغوط سعرية كبيرة، مما يعني توازنا جيدا بين النمو والسيطرة على التضخم. كما ان ذلك يعكس كفاءة في إدارة الموارد والسياسات الاقتصادية، حيث يتوقع التقرير نموا اقتصاديا يصل إلى 2.8 % في 2026، مدعوما بانخفاض التضخم وتيسير السياسة النقدية. 
أما الدلالة الإيجابية الثانية وفقا للمخامرة هي أداء إقليمي متميز للاقتصاد الوطني حيث يبرز التقرير أن الأردن سيشهد أدنى مستويات التضخم في المنطقة مقارنة بدول المشرق وشمال أفريقيا، حيث يتوقع متوسط تضخم أعلى في دول الخليج (يصل إلى 2.0 % في 2026). إن ذلك بحسب رأينا يعزز من جاذبية الأردن كوجهة استثمارية مستقرة، مما يدعم ثقة الأسواق والمستثمرين في السياسة النقدية الأردنية. 
وتتمثل الدلالة الثالثة في دعم للسياسات النقدية والمالية حيث إن الانخفاض المتوقع في التضخم يفتح الباب أمام خفض أسعار الفائدة في 2026، كما يتوقع التقرير، مما يشجع على زيادة الإقراض والاستثمار،  ويعكس تحولاً نحو تيسير نقدي يساعد في تعزيز النمو دون مخاطر تضخمية.
وحول انعكاس معدل التضخم المتوقع من التقرير على الاقتصاد الوطني، فيمكن أن يظهر في عدة جوانب منها تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين حيث إنه مع انخفاض التضخم، يحافظ المستهلكون على قوة شرائية أعلى، مما يدعم الاستهلاك الداخلي ويقلل من الضغوط الاجتماعية الناتجة عن ارتفاع الأسعار.
ويضاف إلى ذلك جذب الاستثمارات الأجنبية في ظل الاستقرار السعري يجعل الأردن أكثر جاذبية للمستثمرين، خاصة في ظل تحديات إقليمية مثل التعريفات التجارية الأمريكية التي قد تؤثر سلباً على النمو، لكنها لن ترفع التضخم بشكل كبيرة، إلى جانب تحسين النمو الاقتصادي الذي يسمح بانخفاض التكاليف التشغيلية للشركات، مما يعزز الإنتاجية والتصدير، ويؤدي إلى نمو أكثر استدامة، علاوة على تعزيز الثقة في السياسات حيث يدعم هذا التوقع مصداقية البنك المركزي الأردني، مما قد يقلل من تقلبات العملة ويحسن التصنيف الائتمانية للأردن.
ويرى المخامرة أن تمكن الاقتصاد الأردني من الحفاظ على تضخم منخفض نسبيا يعود إلى عدة عوامل مترابطة، تجمع بين العوامل الخارجية والسياسات الداخلية ومنها انخفاض أسعار الطاقة العالمية حيث يعد هذا العامل الرئيسي، حيث يقلل من تكاليف الاستيراد للطاقة، التي تشكل جزءاً كبيراً من الواردات الأردنية. وهذا يحد من الضغوط التضخمية الناتجة عن ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء. 
ويضاف إلى ذلك ارتباط الدينار الأردني بالدولار الأميركي حيث ان قوة الدولار تساعد في الحفاظ على استقرار العملة، مما يقلل من تكاليف الاستيراد بشكل عام (بما في ذلك السلع الأساسية والمواد الخام). كما ان هذا يبقي التضخم الأساسي (الذي يستثني الطاقة والغذاء) ضمن مستويات معتدلة، كما سجل التضخم السنوي في تشرين الثاني (نوفمبر)  2025 بنسبة 1.28 % فقط. 
وشدد المخامرة على أن العامل يعود إلى السياسة النقدية الحكيمة الفعالة حيث يعتمد البنك المركزي الأردني على سياسات تحافظ على التوازن، مثل ضبط أسعار الفائدة لمواجهة الضغوط الخارجية، نمو اقتصادي متوازن ومرونة في مواجهة التحديات الخارجية. فعلى الرغم من بعض التأثيرات مثل التعريفات الأميركية، تم تعديل التوقعات الإيجابية للنمو دون رفع التضخم، بفضل تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستهلاك الداخلي. 
تفاؤل بالأداء الاقتصادي
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن التقرير الأخير يعكس حالة من التفاؤل النسبي حيال أداء الاقتصاد الأردني، مرجحا أنه في حال استمرت الاتجاهات العامة الحالية حتى الربع الأخير من عام 2025، فإن الاقتصاد الوطني يتجه نحو وضع أفضل.
وأوضح عايش أن أحد أبرز العوامل الداعمة يتمثل في استمرار التيسير النقدي عالميا، ولا سيما مع توقعات بخفض إضافي في أسعار الفائدة خلال عام 2026 بمقدار 25 نقطة أساس من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، تضاف إلى 75 نقطة أساس جرى تخفيضها في الربع الأخير من عام 2025، ليصل إجمالي التخفيضات المتوقعة إلى نحو 125 نقطة أساس.
وأشار إلى أن أسعار الفائدة، ورغم هذه التخفيضات، ما تزال مرتفعة نسبيا، خاصة في الولايات المتحدة، بعد أن أدت السياسات التشديدية السابقة إلى رفع معدلات الفائدة العالمية بنحو 500 نقطة أساس.
وبين أن أي خفض في أسعار الفائدة يعد خطوة في الاتجاه الصحيح بالنسبة للاقتصادات العالمية، وينعكس إيجابا  على الاقتصاد الأردني تحديدا، نظرا لأن نحو 71–72 % من الدين الخارجي الأردني مقوم بالدولار، ما يعني أن انخفاض الفائدة العالمية يساهم في تخفيض كلفة خدمة هذا الدين، ويدعم الاستدامة المالية.
وأضاف أن توجه الحكومة لاستبدال قروض مرتفعة الفائدة وقصيرة الأجل بأخرى منخفضة الفائدة وطويلة الأجل يعزز هذا المسار.
وفيما يتعلق بالتضخم، أشار عايش إلى أن التوقعات تشير إلى تراجعه إلى نحو 1.7 %، أي أقل من توقعات الحكومة بنحو 0.3 % ، وأقل من آخر قراءة سجلت قرابة 1.8 %. لكنه رجح في المقابل أن يكون معدل التضخم الفعلي أعلى من هذه التقديرات، في ظل الحديث عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية والأساسية، واعتماد الأردن الكبير على الاستيراد، إضافة إلى احتمالات ارتفاع أسعار الطاقة في حال تحسن المشهد الاقتصادي العالمي وزيادة الطلب عليها.
وأكد أن أي انخفاض في أسعار الفائدة أو التضخم من شأنه أن يدعم تنفيذ سياسات مالية أفضل، ويحفز  النمو الاقتصادي دون توليد ضغوط تضخمية حقيقية، وهو أمر بالغ الأهمية. لكنه لفت إلى أن أسعار الفائدة في الأردن ستبقى أعلى من مستويات ما قبل جائحة كورونا، حيث جرى آنذاك خفضها بنحو 150 نقطة أساس، ما يعني استمرار الضغط على الإنفاق الأسري، خاصة في ما يتعلق بقروض الإسكان والسيارات والسلع المعمرة.
وأوضح أن النمو الاقتصادي في الأردن بدأ بالتحسن حتى قبل خفض أسعار الفائدة ثلاث مرات هذا العام، إذ سجل الاقتصاد نموًا بنحو 2.7% في الربع الأول مقارنة بـ2.8 % في فترات سابقة، ما يدل على أن الأداء الاقتصادي تحسّن رغم بقاء أسعار الفائدة مرتفعة، مرجحًا استمرار هذا التحسن خلال عام 2026 حتى في حال ثبات الفائدة، مع تحقيق مكاسب إضافية في حال خفضها.
وأكد عايش أن هذه التوقعات تتقاطع إلى حد كبير مع تقديرات البنك المركزي الأردني وصندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن التقرير يعكس مكاسب إضافية متوقعة في حال خفضت أسعار الفائدة الأميركية مرتين إضافيتين بواقع 25 نقطة أساس في كل مرة، وتراجع التضخم إلى 1.7 %.
وأضاف أن تحقيق نمو بنحو 2.9 % سيكون شبه مضمون في هذه الحالة، مع إمكانية تجاوز 3 %، مدفوعا بزيادة الإقراض للشركات والأفراد، وتحسن الاستثمار، وانخفاض التضخم الذي يحافظ على الاستقرار المالي والقوة الشرائية، ويدعم الإنفاق الاستهلاكي.
وأشار إلى عوامل داعمة أخرى، من بينها انخفاض أسعار الطاقة العالمية وبعض السلع الأساسية المستوردة، وارتفاع الاحتياطيات الأجنبية التي تقترب من 25 مليار دولار وتغطي مستوردات نحو 9 أشهر، ما يقلل الضغوط على تمويل الاستيراد ويعزز الثقة والاستقرار النقدي. كما لفت إلى تحسن العرض المحلي من المنتجات الصناعية والزراعية، ونجاح المنتج المحلي في أن يصبح الخيار الاستهلاكي الأول بدلًا من المستورد، إلى جانب التوسع في الصادرات وتقليص العجز في الميزان التجاري.
وفي المقابل، حذر عايش من ضعف الحيز المالي لدى شريحة واسعة من المواطنين، ما أسهم في تراجع وتيرة الطلب، إذ قدرت نسبة ما يذهب من دخل الأسر إلى إنفاق إجباري – مثل خدمة الديون، والكلف الصحية والتعليمية، والضرائب، والطاقة، والإيجارات – بما يتراوح بين 25 و30 %، وقد يصل في بعض الحالات إلى 40 %، مؤكدا أن المشكلة لا تكمن في ارتفاع الطلب بقدر ما تكمن في ارتفاع الكلف.