سؤال إلى دولة رئيس الوزراء هل ننتظر الضحية التالية… كي نُصلح عقود الإيجار في الأردن؟
صنارة نيوز - 17/11/2025 - 9:26 am
الصناره نيوز - خاص
عادت قضية الإيجارات في الأردن إلى الواجهة بعد حادثة مؤسفة أثارت النقاش العام حول طبيعة العلاقة بين المالك والمستأجر، والطرق التقليدية المتّبعة في تحصيل الأجرة. ومع أن تفاصيل الجريمة ما تزال قيد التحقق، إلا أن ما لا يحتمل الجدل هو أن المنظومة الحالية باتت عاجزة عن حماية المجتمع من تصاعد النزاعات، وعاجزة عن مواكبة دولة قطعت شوطًا واسعًا في التحول الرقمي وبناء المؤسسات.
إن السؤال المركزي اليوم ليس: ما الذي حدث في تلك الواقعة؟بل: لماذا بقيت منظومة الإيجار في الأردن بمنأى عن التطوير، رغم أنها تُلامس كل بيت وكل أسرة وكل قطاع اقتصادي؟
ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة رقمنة 80% من خدماتها — في خطوة تحسب لها — ما يزال الإيجار يُحصّل بالطريقة ذاتها التي كانت سائدة قبل خمسين عامًا: مواجهة مباشرة على الباب، تدوين يدوي للدفعات، غياب عقد موحّد، وافتقار لإثبات رقمي ملزم. وهذه الطريقة القديمة لم تعد مجرد مشكلة إدارية، بل مشكلة أمن اجتماعي بكل معنى الكلمة.
لا يحتاج المرء إلى كثير من البحث ليعرف أن قضايا الإيجارات ترهق القضاء الأردني بصورة غير مسبوقة. فمحاكم الصلح تنظر سنويًا في آلاف الدعاوى المرتبطة بالتخلية، وبدل المثل، والسداد، ونزاعات إثبات الدفع، وتأخير الأجرة، وفسخ العقد. وغالبية هذه القضايا ليست نزاعات قانونية حقيقية بقدر ما هي إشكالات إدارية كان يمكن حلّها لو كانت العلاقة الإيجارية موثّقة رقمياً منذ البداية.
إنها قضايا تُهدر وقت الدولة، وتستنزف وقت القضاة، وتُرهق المواطنين… وكلها يمكن اختصارها بسجل إلكتروني يُغني عن عشرات الجلسات والتحقيقات.
من الإنصاف القول إن الأردن قطع تقدّمًا كبيرًا في تحديث نظامه الإداري؛ من رقمنة الجوازات، إلى الخدمات الإلكترونية، إلى بوابات الدفع الرسمية.لكن السؤال المنطقي: كيف لدولة وصلت إلى هذه المرحلة أن تبقي قطاعًا بالغ الحساسية — ومسؤولًا عن شريحة ضخمة من النزاعات — خارج مظلة الرقمنة؟
فالإيجار ليس مجرد عقد بين شخصين،إنه جزء من بنية السكن الوطني، والضرائب، والتخطيط، وحركة السوق العقاري،والتعامل معه بأساليب قديمة يخلق فجوة بين تطور الدولة… واستمرار أنظمة لم تعد تلائم العصر.
القانون الذي ينظّم العلاقة بين المالك والمستأجر وُضع قبل عقود، وتعرض لتعديلات محدودة لم تمس جوهر المشكلة:وهي غياب آلية عصرية تضمن السداد، وتحدد التزامات الطرفين بدقة، وتمنع النزاعات من أصلها.
هذا القانون، بصيغته الحالية، يعيق الاستثمار العقاري لأنه لا يوفر ضمانات واضحة للدفع، ولا يوفر مرونة للمستأجر، ولا يعالج احتياجات سوق حديث يعتمد على البيانات والشفافية. المستثمر يحتاج بيئة قانونية مستقرة، لا منظومة تستند إلى الاجتهاد والظروف الشخصية.
وعندما نتحدث عن «منصة وطنية» لتنظيم الإيجارات، فنحن لا نتحدث عن تطبيق على الهاتف، نحن نتحدث عن إدارة دولة كاملة للعلاقة الإيجارية، وفق نموذج حديث أثبت نجاحه في دول مثل السعودية (منصة إيجار)، وهي شبكة إلكترونية متكاملة تهدف إلى تنظيم قطاع الإيجار العقاري في المملكة العربية السعودية وحفظ حقوق أطراف العملية الإيجارية ( المستأجر، المؤجر، الوسيط العقاري )، تقدم مجموعة من الحلول الإلكترونية التي تسهم في تطوير قطاع الإيجار العقاري وتنظيمه وتيسير أعماله، بما يحقق التوازن في القطاع وتعزيز الثقة به، ويسهم في تحفيز الاستثمار فيه. والإمارات (Ejari وTawtheeq)، وسنغافورة.
وهذه المنصات تعتمد على ثلاثة مبادئ بسيطة:
1. توثيق إلكتروني ملزم: العقد موحّد، واضح، لا يقبل التأويل.
2. تحصيل إلكتروني للأجرة دون مواجهة.:الدفع يتم تلقائيًا عبر المنصة.
3. سجل رقمي لكل دفعة:عند النزاع يصبح الفصل مسألة بيانات، لا روايات متناقضة.
ماذا يكسب الأردن من منصة وطنية للإيجار؟
أولًا: حماية اجتماعية وأمنية
اختفاء الاحتكاك المباشر يعني اختفاء 90% من أسباب النزاع.
ثانيًا: تخفيف العبء عن المحاكم
لن تكون القضايا مبنية على «قول وقول»، بل على سجلات لا تُجادَل.
ثالثًا: تحصيل ضريبة الدخل والمسقّفات بدقة
الإيجارات واحدة من أكثر مصادر الدخل غير الموثقة في الاقتصاد.
المنصة توفّر بيانات حقيقية تُمكّن الحكومة من تقدير الضريبة بعدالة، وتحد من التهرب.
رابعًا: تنظيم السوق العقاري وتنشيط الاستثمار
البيانات الدقيقة تُشجع المستثمرين وتخلق سوقًا شفافة وواضحة.
خامسًا: توحيد العنوان الوطني
كل عقد يعني عنوانًا دقيقًا، ما يعزز الخدمات البلدية واللوجستية والأمنية.
إن دولة بحجم الأردن، وببنية مؤسسية متقدمة، وبنظام إداري في طور التحديث، لم يعد مقبولًا أن يعيش قطاع الإيجارات خارج العصر.ولا يجوز أن يبقى قانون المالكين والمستأجرين على حاله فيما تتغير الدولة من حوله.ولا يمكن أن تستمر المحاكم باستنزاف وقتها وطاقتها على نزاعات يمكن لبرنامج إلكتروني أن يحلّها خلال دقائق، ويبقى السؤال الذي يجب أن نطرحه — بأعلى درجات المسؤولية:هل سننتظر حادثة أخرى… كي نبدأ بإصلاح منظومة الإيجار؟
إن إطلاق منصة وطنية للإيجار ليست خيارًا تقنيًا، بل قرارًا يحمي المجتمع، ويحفظ الثقة، ويعيد العدل إلى علاقة تمسّ حياة كل أردني… من شمال البلاد إلى جنوبها.



