هجرة الكفاءات الأردنية.. ظاهرة مستمرة تستنزف الاقتصاد الوطني
صنارة نيوز - 08/09/2025 - 8:34 am
رغم أن تحويلات المغتربين الأردنيين في الخارج تسهم بما نسبته 7 % من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر متنفسا ماليا لعشرات آلاف الأسر إلا أن ثمة معضلة تتوارى وراء هذه الأرقام، بحسب خبراء.
ويرى الخبراء أن الكفاءات والخبرات التي يفترض أن تشكل رافعة للنمو المحلي تهاجر من البلاد بحثا عن فرص أفضل في الخارج، إذ ترتفع وتيرة هجرة الكفاءات الأردنية من أطباء ومهندسين وأكاديميين وصولا إلى خبراء التكنولوجيا والشباب المتعلمين.
ورغم أن هذه الكفاءات تستقطب بقوة في أسواق الخليج، فإن غيابها عن قطاعات العمل المحلية يترك فراغا يصعب تعويضه، ويضع الاقتصاد الأردني في مواجهة معادلة شائكة، تحويلات مالية عاجلة من الخارج مقابل خسائر إستراتيجية طويلة الأمد في رأس المال البشري.
هذا النزيف المستمر يطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة صانعي السياسات الوطنية على إيقاف تدفق العقول إلى الخارج، أو حتى استعادة من هاجروا؟ وهل يمكن الاستغناء عن تحويلات العملات الأجنبية لهذه العمالة؟
ويطالب اقتصاديون بضرورة العمل على تحسين البيئة الاقتصادية المحلية، كرفع الأجور وتقديم حوافز مالية للكفاءات في القطاعات الإستراتيجية، إضافة إلى تخفيض الضرائب على الشركات التي تستقطب الكفاءات الأردنية وتوفر لهم فرص تدريب وتطوير.
كما دعوا إلى التحول نحو اقتصاد المعرفة بشكل أكبر، ودعم الابتكار والبحث العلمي والتكنولوجيا المتقدمة، وفتح مجالات الذكاء الصناعي والبرمجة والطاقة المتجددة، وإيجاد فرص عمل حقيقية ولائقة عبر تحفيز الاستثمار الإنتاجي، وتحسين الأجور بما يتناسب مع الكلفة المعيشية ومتطلبات الأداء الاقتصادي.
كما شددوا على ضرورة إعادة النظر في الحوافز الضريبية والمادية للكفاءات العائدة للعمل داخل الوطن، وتعزيز مشاركة الشباب في صناعة القرار، ودعم المشاريع الشبابية وتمويل تأسيس الشركات ومراكز البحث بشروط ميسرة، بما يضمن إعادة اندماج هذه الكفاءات في المجتمع والاقتصاد والعملية الإنتاجية.
وتعرف لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) هجرة الكفاءات بانه هو نزوح قدر كبير من السكان أصحاب المهارات والكفاءات العلمية والفنيين وفي العادة يتجهون الى دول تتيح لهم فرصاً اقتصادية اجتماعية أفضل،
ووصلت قيمة حوالات المغتربين الأردنيين إلى 3.6 مليار دولار خلال العام الماضي وهو ما يمثل ما نسبته 7 % من الناتج المحلي الإجمالي البالغ حوالي 47 مليار دولار.
ويبلغ عدد المغتربين الأردنيين في الخارج نحو 925 ألف مغترب يتوزع العدد الأكبر منهم في دول الخليج العربي، 765 ألف مغترب، ما يشكل ما نسبته 81 % من إجمالي المغتربين، في حين يعيش نحو 29 ألف مغترب منهم في مجموعة من الدول العربية غير الخليجية، ويعيش حوالي 140 ألفا منهم في بلدان غير عربية بما نسبته 15.2 % من إجمالي عدد هؤلاء المغتربين وفق آخر تحديث لوزارة الخارجية صدر عام 2021.
ضعف الاقتصاد الوطني من استيعاب كفاءات مواطنيه
الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت يرى أن هجرة الكفاءات الوطنية في تنام واضح وقد ترقى إلى مستوى الظاهرة مما يجعل لها أبعادا سلبية على الاقتصاد الوطني.
واعتبر أن هذه الظاهرة تعكس عدم تمكن الاقتصاد الوطني من استيعاب كفاءات مواطنيه، رغم انه تم إعدادها لتكون مساهمة في دائرة الإنتاج والتنمية، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد، وعليه فإن استمرار نزيف الكفاءات على المدى المتوسط سيكون له ضرر على استدامة العملية الاقتصادية والتنموية.
وأوضح الكتوت أن تزايد مغادرة الكفاءات الأردنية للخارج، تعود في جزء منها إلى ضعف الأجور وعدم قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين المعيشية والحياتية، وفي جانب آخر إلى ارتفاع معدلات البطالة لا سيما بين الخريجين الجدد الذين يجدون أنفسهم يبحثون عن فرص عمل في الخارج.
وأشار الكتوت إلى أنه كان لهجرة الكفاءات المحلية إلى الخارج في العقود الماضية، نواح إيجابية تتمثل في العائد الاقتصادي لها من تحويلات مالية تضخ مباشرة في الدورة الاقتصادية إضافة إلى تزامنها مع انخفاض مستويات البطالة التي لم تكن تتجاوز 12 %.
وبهدف ضبط هجرة الكفاءات إلى الخارج دعا الكتوت إلى أهمية إجراء معالجة جذرية لمشكلات الاقتصاد الوطني المرتبطة بالواقع المعيشي والخدمي للمواطنين، إضافة إلى أهمية معالجة ضعف البيئة الاستثمارية المحلية، التي ما زالت تفتقد للميزة التنافسية مع الاقتصادات المجاورة في المنطقة، حيث أن استمرار ارتفاع كلف ممارسة الأعمال لدينا أردنيا يشكل معضلة حقيقية لاستقطاب المستثمرين، حيث أن اجتذاب الاستثمارات عادة ما ينعكس إيجابا على مستويات النمو الاقتصادي، وبالتالي تحسين دخل الفرد.
كما دعا إلى ضرورة إعادة النظر بالنظام الضريبي والعبء المرتفع له على المواطنين، في ظل الاعتماد على ضريبة المبيعات المرتفعة للغاية والمفتقدة للعدالة الضريبية خاصة على الطبقة الوسطى.
الدوافع الاقتصادية السبب الرئيسي لهجرة الكفاءات الوطنية
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة، إن "هجرة الكفاءات الأردنية تشكل تحديا كبيرا للاقتصاد الوطني والأمن الاجتماعي، حيث تمثل نزيفا مستمرا للطاقات البشرية المؤهلة التي استثمرت الدولة كثيرا في تعليمها وتدريبها" لافتا إلى أن هجرة الكفاءات تعد من أخطر أنواع الهجرة بسبب تأثيرها السلبي المباشر على القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والتكنولوجيا والبحث العلمي.
وأرجع المخامرة تزايد معدلات هجرة الكفاءات المحلية إلى جملة من العوامل الاقتصادية وهي انخفاض الأجور وعدم تناسبها مع الكفاءة حيث تعاني الفئات ذات الكفاءات العالية في الأردن من انخفاض الأجور مقارنة بنظرائهم في الدول الأخرى، خاصة في القطاعات التي تتطلب مهارات عالية مثل التكنولوجيا والطب والهندسة.
ويضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة المعيشة والضرائب حيث يشكل العبء الضريبي وارتفاع تكلفة المعيشة ضغطا كبيرا على المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود.
كما يفاقم هذا الوضع من عدم القدرة على الادخار أو تحسين المستوى المعيشي، مما يدفع الكفاءات إلى الهجرة للبحث عن ظروف معيشية أفضل، فضلا عن محدودية فرص العمل والبطالة، خاصة بين الشباب والخريجين الجدد، عدا عن غياب الحوافز للكفاءات للبقاء، مثل التقدم الوظيفي، والاستقرار الوظيفي، والدعم المادي والمعنوي للأبحاث والابتكارات.
وحول أثر غياب الكفاءات على سوق العمل والخدمات المحلي، أوضح المخامرة أن ذلك يولد فجوة مهارية حيث يؤدي غياب الكفاءات إلى وجود نقص في المهارات المتخصصة، مما يؤثر سلبا على الإنتاجية والقدرة التنافسية للقطاعات الاقتصادية، إضافة إلى ارتفاع كلفة الاستعاضة أحيانا حيث تضطر المؤسسات إلى استقدام كفاءات أجنبية بتكلفة عالية، أو إلى تدريب موظفين جدد مما يزيد الأعباء المالية عليها.
ولفت المخامرة إلى أن السياسات الضريبية غير المدروسة، قد تكون سببا في زيادة الأعباء على الشركات والأفراد، مما يحد من قدرة القطاع الخاص على توظيف الكفاءات بأجور مجزية، معتبرا أن السياسات التشغيلية التي لا تراعي متطلبات السوق قد تؤدي إلى تفاقم البطالة بين الكفاءات، كما أن التغيير المتكرر في السياسات الاقتصادية يؤدي إلى عدم استقرار بيئة الأعمال، مما يقلل من ثقة الكفاءات في الفرص المحلية ويدفعهم للهجرة.
وشدد المخامرة على ضرورة تصميم برامج لاستقطاب وإعادة الكفاءات الوطنية في أوقات الأزمات والظروف الحرجة، حيث تكون الحاجة إلى الكفاءات الطبية والعلمية كبيرة كما يمكن أن تساهم هذه البرامج في تعزيز القدرة الوطنية على مواجهة الأزمات من خلال الاستفادة من خبرات المغتربين.
وفيما يتعلق بالآليات اللازمة للتغلب على ظاهرة هجرة الكفاءات، طالب المخامرة بضرورة العمل على تحسين البيئة الاقتصادية من رفع الأجور وتقديم حوافز مالية للكفاءات في القطاعات الإستراتيجية وتخفيض الضرائب على الشركات التي تستقطب الكفاءات الأردنية وتوفر لهم فرص تدريب وتطوير.
كما طالب بوجوب تعزيز الاستثمار في التعليم والبحث العلمي من خلال زيادة الميزانيات المخصصة للبحث والتطوير لتصل إلى 2-4 % من الناتج المحلي الإجمالي وإنشاء صندوق دعم للبحوث العلمية يدار من قبل الكفاءات الأردنية المحلية والمغتربة، فضلا عن تحسين سياسات سوق العمل ومزاياه.
ويضاف إلى ذلك بناء شراكات دولية وتعزيز التعاون مع الدول الأخرى في برامج التبادل العلمي والثقافي التي تسمح للكفاءات الأردنية بالاستفادة من الخبرات الدولية دون الحاجة إلى الهجرة الدائمة، إضافة إلى طرح برامج استقطاب المغتربين وإنشاء قاعدة بيانات للكفاءات الأردنية المغتربة وتصنيفها حسب التخصصات لسهولة الاستفادة منها عند الحاجة، وتوفير ضمانات للعودة الآمنة وتذليل العقبات الإدارية والمالية التي قد تواجه المغتربين الراغبين في العودة.
غياب الكفاءات إضعاف للبنية التحتية التعليمية والصحية المحلية
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن ظاهرة "هجرة
الكفاءات" تحمل أبعادا اقتصادية واجتماعية ونفسية ومالية ومعيشية، ما يجعلها تمس مستقبل التنمية واستقرار المجتمعات بشكل مباشر.
وبين عايش أن خطورة هجرة الكفاءات الوطنية، تكمن بأنها غالبا ما تكون مختصة في مجالات التعليم والهندسة وتكنولوجيا المعلومات والطب، كما تشمل النساء المتعلمات اللواتي تدفعهن البيئة الاقتصادية المحدودة وفرص العمل المنخفضة للمشاركة الاقتصادية إلى البحث عن فرص في الخارج، وما يثير القلق هنا إضعاف البنية التحتية التعليمية والصحية، إضافة إلى إمكانية تحول هذه الهجرة من مؤقتة إلى دائمة، مصحوبة باستقرار عائلي في دول الاستقبال وهو ما ينعكس سلبا على تقلص حجم رأس المال البشري.
ويؤكد عايش أن العوامل السياسية والاقتصادية هي المحرك الأساسي لهذه الهجرة في ظل غياب الاستقرار الوظيفي في القطاعين العام والخاص، وضعف فرص إقامة المشاريع الخاصة بسبب نقص التمويل أو ضعف الأداء الاقتصادي المحلي والمنافسة العالية، إضافة إلى تراجع الأجور مقارنة بتكاليف المعيشة.
كما يشير إلى تأثير العمالة الوافدة على سوق العمل، إذ تؤدي إلى منافسة غير مشجعة على مستوى الدخل ونوعية المهن، ما يعزز معدلات البطالة بين الشباب لتصل إلى نحو 25 % وأكثر، ويقلل من قيمة التعليم الجامعي في الوظائف الحديثة.
الغد