الجمود السياسي والصحي في فرنسا يمنع تبني البدائل الفعالة والحلول المبتكرة ويفاقم أزمة التدخين
صنارة نيوز - 31/07/2025 - 2:18 am
في ظلّ تزايد المخاطر الصحية الناتجة عن الاستمرار في ممارسة عادة التدخين واستهلاك السجائر التقليدية، وذلك بالتوازي مع الإخفاق المتواصل في السياسات التقليدية في الحد منه، تبرز الحاجة إلى تبني نهج أكثر واقعية وابتكاراً.
رغم تصدر عدة دول أوروبية المشهد مؤخراً بتقليص معدلات التدخين إلى حدود أدنى عبر تبني نهج أكثر مرونة وواقعية مع بدائل أقل خطورة كالسجائر الإلكترونية وأكياس النيكوتين، لا تزال فرنسا من بين أعلى الدول الأوروبية من حيث معدلات التدخين، مع وجود أكثر من 14 مليون مدخن يشكلون ما يزيد على 23% من السكان؛ ذلك أنها لا تعير أهمية للاستفادة من النماذج الناجحة لدى هذه الدول أو للاستناد إلى الأبحاث العلمية، بل إنها تواصل حظر هذه البدائل، مضحيةً بالصحة العامة لصالح نهج تقليدي جامد وسياسات صارمة طبقت على مدار عقود مثبتة فشلها.
في بريطانيا، وإيطاليا، واليونان، وعدد من دول أوروبا الشرقية، أظهرت التجربة أن توفير بدائل مدروسة قد يسهم في تقليل الاعتماد على التبغ التقليدي، وخفض معدلات الإصابة بالأمراض المرتبطة به. في هذا السياق، تبرز تجربة السويد كمثال حي؛ حيث ساهم تبني البدائل فيها في خفض معدل التدخين إلى أقل من 5%، وتسجيل أقل نسب في الإصابة بسرطان الرئة في أوروبا.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، تواصل فرنسا التمسك بموقفها المتشدد، لا سيما بعد طرح مشروع قانون يهدف إلى حظر أكياس النيكوتين على غرار حظر المنتجات الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد. هذه الإجراءات لم تأت استناداً إلى معطيات علمية حديثة، بل تبدو امتداداً لمواقف تقليدية يصعب التخلي عنها، حتى في ظل فشلها الواضح في حماية الصحة العامة.
يأتي هذا في وقت بدأ فيه الاتحاد الأوروبي النظر في إمكانية تنظيم استخدام هذه المنتجات أو حظرها، وسط تباين في المواقف بين الدول الأعضاء. وبينما يتطلع البعض إلى الاستفادة من التجارب الناجحة، تواصل باريس تجاهل الدعوات المتكررة لمراجعة سياساتها، رغم أن عدداً من العلماء والبرلمانيين الفرنسيين أنفسهم طالبوا بتقنين استخدام هذه البدائل بدل حظرها، حفاظاً على أرواح المدخنين، ومنعاً لانزلاقهم نحو التهريب أو المنتجات غير الخاضعة للرقابة.
ولعل المفارقة تكمن في أن هذه البدائل ليست خالية تماماً من المخاطر، لكنها وفق تقييمات جهات علمية مرموقة كإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، تعد أقل خطورة بشكل كبير من السجائر التقليدية، ولا تُسبب نفس المخاطر الناتجة عن احتراق التبغ واستنشاقه، كما أن توفير هذه الخيارات قد يحقق فائدة ملموسة للصحة العامة.
في المقابل، يتصاعد تهريب السجائر في فرنسا، وتقدر خسائر الدولة من عائدات الضرائب بنحو 7 مليارات يورو سنوياً، في حين تغض الجهات المعنية الطرف عن مليارات يتم جبايتها من الشركات المصنعة للسجائر التقليدية، مما يضع علامات استفهام حول أولويات هذه السياسات ومدى اتساقها مع أهدافها الصحية المعلنة.
وفي خضم كل هذا، يغيب الحديث عن الابتكار في السياسات الصحية، وعن ضرورة الموازنة بين ضبط الاستخدام وحماية المجتمع من المخاطر، وبين إتاحة بدائل مدروسة قد تساعد المدخنين على الإقلاع التدريجي.
في هذا السياق، يبرز التساؤل المشروع عما إذا كان الأوان قد آن لإعادة النظر في السياسة الصحية، وتغليب مصلحة الصحة العامة على التمسك بالمواقف الجامدة، وما إذا كانت فرنسا تملك الشجاعة للانتقال من منطق الحظر إلى منطق التنظيم المدروس الذي يُنقذ الأرواح بدل أن يعاقب المدخنين؟
في واقع الأمر، لقد بات من الواجب على صانعي القرار في فرنسا والعالم إعادة النظر في السياسات الصحية التقليدية المتشددة، والاتجاه نحو تبني حلول مبتكرة وبدائل أقل خطورة مثل السجائر الإلكترونية وأكياس النيكوتين، مع وضع إطار تنظيمي صارم يضمن سلامة المستهلكين؛ ذلك أن تبني هذه المقاربات الواقعية يساهم في خفض معدلات التدخين ويحد من الأعباء الصحية والاقتصادية الناجمة عنه، بدلاً عن التمسك بسياسات تقليدية أثبتت فشلها.