الشاورما: ومن الحب ما قتل
صنارة نيوز - 11/06/2025 - 9:15 am
الصناره نيوز - خاص
الشاورما: ومن الحب ما قتل
تُعد الشاورما من أكثر الأطعمة استهلاكًا في الأردن والعالم العربي، وتتربّع على عرش الوجبات السريعة بلا منازع. لكنها أيضًا واحدة من أكثر الأطعمة ارتباطًا بحالات التسمم الغذائي، وفق ما تُظهره الدراسات الميدانية وتقارير الرقابة الصحية، وهو ما يجعل حبنا لها أقرب إلى علاقة متوترة... قد تُرضي الحواس، لكنها تهدد المعدة.
تشير دراسة نُشرت في Journal of Food Protection إلى أن اللحوم المستخدمة في الشاورما تُعد بيئة مثالية لنمو بكتيريا خطيرة مثل السالمونيلا والإيشيريشيا كولاي والليستيريا، خصوصًا عند الطهو الجزئي أو التخزين غير السليم. وفي الأردن، أظهرت تقارير صحية أن ما يقارب 38% من عينات الشاورما التي خضعت لفحص عشوائي في مطاعم مختلفة احتوت على مستويات غير آمنة من البكتيريا، مع تفاوت كبير بين مطعم وآخر بحسب موقعه ورقابته وسمعته.
الخطر يبدأ من الطريقة التي يُعدّ بها السيخ. فاللحم النيء يُكدّس في طبقات، ويُعرّض لحرارة من جهة واحدة، مما يجعل الأجزاء الداخلية عرضة للبقاء دون طهي كافٍ. وإذا لم يُستهلك السيخ خلال ساعات محدودة، تبدأ البكتيريا بالنمو بسرعة، خصوصًا إذا أعيد تبريده ببطء أو أُعيد تسخينه لاحقًا. ويُعد استخدام السيخ لأكثر من يوم من أكثر المخالفات الشائعة، رغم تصنيفه كممارسة محظورة وفقًا لتعليمات السلامة الغذائية، إذ تتضاعف احتمالات الإصابة بالتسمم في هذه الحالة بنسبة تصل إلى 60%.
تزداد الخطورة مع الصوصات المكشوفة، مثل الثوم والمايونيز، التي قد تُحفظ في حرارة الغرفة لساعات. أظهرت دراسة ميدانية في الأردن عام 2022 أن 30% من عينات صوص الثوم من المطاعم الشعبية احتوت على بكتيريا القولون، فيما وُجدت المكورات العنقودية الذهبية في أكثر من 15% من الحالات، وهي من البكتيريا القادرة على التسبب في تسمم حاد خلال ساعات من الاستهلاك.
أما إعادة تسخين الشاورما، فهي ليست كما يظن البعض وسيلة أمان، بل قد تكون الفخّ الأخطر. فالكثير من أنواع البكتيريا تنجو من عملية التسخين السريع، خاصة إذا لم تصل الحرارة الداخلية إلى 74 درجة مئوية على الأقل. ومع كل ساعة تمرّ بين التبريد والتسخين، تتضاعف احتمالات الخطر بشكل غير محسوس.
وهنا تبرز أهمية المؤسسة العامة للغذاء والدواء الأردنية، وهي الجهة المسؤولة عن وضع المعايير الصحية ومراقبة تطبيقها. تقوم المؤسسة بفحص المطاعم، سحب العينات، إصدار التعليمات الخاصة بدرجات الحرارة الآمنة، ومعاقبة المخالفين، لكنها لا تستطيع وحدها مراقبة جميع المنشآت في وقت واحد، ما يجعل وعي المستهلك عنصرًا أساسيًا في حماية نفسه. كما يمكن للجمهور الإبلاغ عن أي اشتباه في التسمم أو المخالفات الصحية عبر قنوات التواصل المباشر مع المؤسسة.
لكن ورغم هذه التحذيرات والبيانات، يبقى السؤال: لماذا لا يتأثر إقبال الناس؟
الجواب معقد، لكنه مفهوم.
الناس مدفوعون برغبة آنية تُلبيها الشاورما بسرعة وسهولة وطعم لا يُقاوم. المذاق يُفعّل مراكز المكافأة في الدماغ أسرع من أي تحذير صحي. كما أن كثرة المستهلكين الذين لم يُصبهم مكروه تجعل البعض يعتقد أن الخطر "يخص غيره". وهذا ما يُعرف بـ"تحيّز التفاؤل"، حيث يظن الشخص أن ما حدث لغيره لن يحدث له، حتى لو تناول الوجبة نفسها من المطعم نفسه.
إضافة لذلك، تفتقر الكثير من حملات التوعية للواقعية؛ فهي تقدم نصائح عامة دون عرض نماذج حقيقية أو سرد حالات موثقة، ما يفقدها المصداقية والتأثير. ولو أُرفقت التحذيرات بقصص مصابين، أو بيانات تفصيلية من التحقيقات الميدانية، لتغيّر سلوك كثير من المستهلكين.
لا أحد يطلب التخلي عن الشاورما، لكن من حقنا أن نعرف: متى أُعدّ السيخ؟ هل يُعاد استخدامه؟ كيف تُخزن الصوصات؟ وهل هذا المكان يخضع فعلًا للرقابة؟ فالوجبة التي نحبها قد لا تكون دائمًا جديرة بالثقة، وإذا استمر التعامل معها بعشوائية، فقد نُدفع ثمنًا صحيًا باهظًا باسم الذوق.
نعم، نحب الشاورما... لكننا لا نريد أن نموت بسببها.
ومن الحب ما قتل.