الخط الحجازي: إرثٌ ينهض في الإقليم وصحوة اردنية على هديره
صنارة نيوز - 23/04/2025 - 8:32 am
الخط الحجازي: إرثٌ ينهض في الإقليم وصحوة اردنية على هديره
الصناره نيوز - خاص
على مسارٍ يعلوه الغبار وتؤنسه الذكريات، يمتد الخط الحديدي الحجازي من عمق التاريخ، شاهداً على مشروع وحدوي ضخم بُني في مطلع القرن العشرين على أكتاف المسلمين من مختلف الأقطار. واليوم، بينما تتحرك تركيا بخطى متسارعة لإعادة تشغيل هذا الخط التاريخي باتجاه سوريا، وتستعد عمّان لتسيير رحلاته السياحية نحو درعا، يطفو على السطح سؤال أكثر تعقيدًا: لماذا لا يزال الخط الحجازي الأردني أسير التعقيدات رغم امتلاكه لكل مقومات النهوض؟
بدأت قصة الخط الحجازي في عام 1900م، حين أطلق السلطان العثماني عبد الحميد الثاني هذا المشروع الضخم لنقل الحجاج من إسطنبول إلى المدينة المنورة، مرورًا بدمشق ومعان، وصولًا إلى الحجاز. ما يُميز هذا المشروع أنه تم بتمويل شعبي واسع النطاق، دون قروض أجنبية، واعتُبر منذ تأسيسه وقفًا إسلاميًا، خُصص ريعه لخدمة الحرمين الشريفين.
ومع نهاية الدولة العثمانية، ورغم تقطع الجغرافيا السياسية، ظل الطابع الوقفي للخط قائمًا. ففي سوريا، أكد القانون رقم (316) لعام 1947 على وقفيته، وأنشئت مؤسسة تابعة لمجلس الوزراء لإدارته كـ"وقف عام". وفي الأردن، أُنشئت "مؤسسة الخط الحديدي الحجازي" سنة 1952، كجهة حكومية مستقلة ذات طابع وقفي، لا تدخل إيراداتها في الموازنة العامة، وتُعامل كوحدة مالية مستقلة.
اليوم، وبعد سنوات من الجمود، أعلنت الأردن استكمال المسح الفني لمسار الخط باتجاه مدينة درعا، ونيّتها تسيير رحلات سياحية تراثية إلى الجنوب السوري. خطوة جاءت في سياق إقليمي واسع، حيث أعلنت أنقرة عن مشروع لإعادة تأهيل الخط الحديدي من "ميدان إكبس" على حدودها إلى مدينة حلب، في خطة تتضمن خمس مراحل لإحياء الترابط التاريخي بين المدن السورية والتركية
المقارنة بين التجربتين تطرح مفارقة صارخة: في تركيا، ورغم تأميم السكك الحديدية منذ عام 1927، يجري اليوم التعامل مع الخط الحجازي باعتباره رافعة للتكامل الاقتصادي والسياسي، وأداة دبلوماسية ناعمة لإعادة وصل الشمال السوري ببنية تركية حديثة. أما في الأردن، فالخط لا يزال يرزح تحت عبء البيروقراطية، رغم امتلاكه بنية تحتية تاريخية وأصولًا عقارية في قلب المدن الكبرى.
ومن أبرز هذه الأصول، تبرز أراضي واقعة في واحدة من أهم البقع العقارية في العاصمة. وهي أراضٍ مملوكة للخط الحجازي الحجازي بوثائق عثمانية، وتُقدَّر قيمتها السوقية بملايين الدنانير، لكنها محاطة بنزاع طويل الأمد حول وضعها القانوني، واستخدامها، وتداخل الاختصاصات بشأن إدارتها.
تُصنَّف هذه الأراضي ضمن الأوقاف الإسلامية العائدة للخط، ويُفترض أن تُدار بما يحقق غايات الوقف، لكن غياب التشريعات الحاسمة، واختلاف التفسيرات القانونية، حال دون استثمارها بشكل فعّال في تمويل تطوير الخط أو المرافق السياحية المرتبطة به. بل إن وجود نزاعات قضائية غير محسومة حول بعض العقارات والمواقع، ساهم في إعاقة تحريك الملف بأكمله.
مؤسسة الخط الحجازي الأردني تمتلك عشرات المحطات، والعربات، والأراضي الممتدة من شمال المملكة إلى جنوبها، لكنها تُدار بوصفها وحدة خارج الموازنة، ما يجعل الرقابة عليها محدودة، ويُعقّد من إمكانية تطويرها ضمن مشاريع الدولة الكبرى كالنقل العام، والسياحة، أو حتى الشراكات مع القطاع الخاص.
ولأنها وقف، فإن أي تغيير في طريقة إدارتها أو التصرف بأصولها يتطلب اجتهادًا فقهيًا وتشريعيًا دقيقًا، وربما حتى قرارًا سياسيًا جامعًا يعيد تعريف دور المؤسسة، مع الحفاظ على صفتها الوقفية وعدم المساس بأصل ملكيتها.
التحركات الإقليمية الجارية – من أنقرة إلى درعا – تُثبت أن الإرادة السياسية كفيلة بإعادة الاعتبار لهذا الخط العريق. فما يحتاجه الأردن ليس مجرد تأهيل سكة، بل إعادة تأهيل فكر الدولة تجاه هذا الوقف: بوصفه أصلًا استثماريًا، ورافعة للسياحة، وجسرًا للربط الإقليمي في لحظة حرجة من إعادة تشكل الجغرافيا السياسية في المنطقة.
إن مستقبل الخط الحجازي الأردني لا يمكن أن يُختزل في رحلة سياحية تجريبية، بل يجب أن يُبنى على استراتيجية شاملة تُوظّف أصوله، وتحل ملفاته العالقة – وعلى رأسها قضية الأراضي المنازعات عليها وتُعيد دمجه في الاقتصاد الوطني، لا كمؤسسة معزولة، بل كجزء من مكون حضاري وتنموي واقتصادي متعدد الأبعاد.
فهل نشهد صحوة أردنية بحجم ما تفعله تركيا؟ أم يبقى هذا "الوقف العظيم" كنزًا نائمًا، ينتظر من يُوقظه بإرادة لا تعرف المراوغة؟