عندما يُطفئ الأمن شمعة الفوضى: قصة ما لم يُكتب في بيان المخابرات الأردنية – تفاصيل

صنارة نيوز - 15/04/2025 - 8:21 pm

 

الصناره نيوز- بشير الدعجة 

 

 

أولًا: الإطار العام للبيان – ما قاله النص وما لم يقله

البيان يبدأ بجملة ثقيلة لكنها محسوبة: “أحبطت دائرة المخابرات العامة مخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي”.
هنا يُؤسَّس للمشهد: نحن أمام مشروع ممنهج، لا رد فعل عابر. استخدام ثلاثية “الأمن الوطني – الفوضى – التخريب المادي” ليس صدفة، بل رسم دقيق لما أرادوا العبث به: العمق السياسي، والاستقرار المجتمعي، والبنية التحتية للدولة.

لكنّ اللافت أن البيان لم يسمِّ الجهة، ولم يربطها بأيديولوجيا معينة. هذا الصمت مقصود. إنها ورقة بيد المخابرات تُبقي من يقرأها في حالة توتر، وتترك للآخرين مساحة من الذعر: “هل تم كشفنا؟ هل جاء دورنا؟”.

ثانيًا: من 2021 إلى 2025… أربع سنوات من الرصد الصامت

الرصد الاستخباري بدأ منذ عام 2021. هذه ليست معلومة ثانوية. المخابرات ترسل إشارات ضمنية بأن أعينها طويلة المدى، وأن الزمن لا يُنسيها الملفات.
لماذا لم يتحركوا قبل الآن؟ لأنهم يعلمون أن تجميع الأدلة، وترك المتورطين يظنون أنهم آمنون، هو أفضل من الضربة السريعة. إنها استراتيجية “الصيد بالصبر”.

تاريخ 2021 يضعنا أمام سؤال:
هل ارتبطت هذه الخلية بتحولات إقليمية حدثت في تلك المرحلة؟
نعم، ذلك العام شهد ذروة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتصاعد النشاطات الإيرانية بالمنطقة، وأيضًا توتر المشهد الفلسطيني–الإسرائيلي. هذه كلها وقود محتمل لعناصر تعتبر نفسها “مكلفة بمهمة كبرى”.

ثالثًا: الصواريخ والطائرات المُسيّرة… تحوّل خطير في تكتيك الجماعات

لا نتحدث عن مخططات بدائية أو حتى عن تفجيرات فردية؛ بل عن:

تصنيع صواريخ محليًا

استيراد أدوات مخصصة من الخارج

إخفاء صاروخ جاهز للاستخدام

مشروع لطائرات مُسيّرة

حيازة متفجرات وأسلحة نارية

تدريب داخلي وخارجي

هذه ليست لغة “هاوٍ”، بل حديث عن منظمة تمتلك تمويلًا، تكنولوجيا، ودعمًا لوجستيًا من جهة خارجية.
الصاروخ الجاهز، والطائرة المُسيّرة، يضعان الدولة أمام احتمال أن الخلية كانت تستعد لتكرار سيناريوهات مشابهة لما جرى في لبنان، اليمن، العراق أو غزة، حيث تتحول الفصائل إلى “دولة داخل الدولة”.

وإذا عدنا لقضية خليّة الفحيص (2018) أو خلية السلط، نجد أن هناك تشابهًا في أدوات التنفيذ، لكن هنا المستوى أعلى بكثير. حينها كانت عبوات بدائية، واليوم نحن أمام طائرات وصواريخ!

رابعًا: التجنيد والتدريب… كيف تنمو الخلايا في صمت؟

من أخطر ما ورد في البيان: تجنيد عناصر داخل المملكة وتدريبهم داخليًا وخارجيًا.
هذا معناه أن هناك:

بيئة مُستهدفة

خطابًا تحريضيًا فاعلًا

مساحات اختراق لم تُغلق بعد

كيف تُجنَّد العناصر؟ الإجابة قد لا تكون تقليدية. لم يعد التجنيد عبر منابر المساجد أو المنتديات، بل من خلال الإنترنت، ألعاب الفيديو، مجموعات مغلقة على تيليغرام، أو حتى عبر الدعم الإنساني.

وأين يتم التدريب الخارجي؟ البيان لم يُسمِّ، لكن تجارب سابقة تُشير إلى أن عناصر من تنظيمات مماثلة تدربوا في شمال سوريا، ليبيا، وحتى مناطق من السودان واليمن.

خامسًا: أين كنا سنصل لو لم تُحبط الخطة؟

لو افترضنا، جدلاً، أن المخططات نُفذت:

كان بالإمكان ضرب منشآت استراتيجية أو مواقع أمنية حساسة

ربما استُهدفت شخصيات رمزية لبثّ الذعر

أو تنفيذ عمليات لخلق “بقعة فوضى” تُربك المشهد العام تمهيدًا لتحركات أكبر

بهذا نعود إلى استراتيجية “الصدمة الأولى” التي تعتمدها بعض التنظيمات: هجوم استعراضي واحد، لكنه يعيد تشكيل المعادلة.

سادسًا: الرسالة الضمنية – “نحن نرى ما لا يُرى”

بإحالة القضايا إلى محكمة أمن الدولة، تؤكد المخابرات أن الأمور ليست في يد “الأجهزة الأمنية فقط”، بل هناك مؤسسات عدلية وقضائية تُفعل القانون دون تجاوزات. إنها إشارة ضمنية إلى الفرق بين الدولة العميقة والدولة المؤسسية.

لكن أيضًا، في العمق، تقول الدولة: “أحبطنا واحدة… ونعرف أن هناك غيرها، وقد نكون نرصدها الآن”.

سابعًا: الخاتمة – هل هذا هو الوجه الجديد للخطر؟

نعم، فما بعد هذا البيان ليس كما قبله.

لم تعد الخلايا تعمل وحدها؛ هناك شبكة.

لم يعد السلاح يُهرَّب فقط؛ بل يُصنَّع.

لم تعد الفوضى مجرد احتجاج؛ بل مشروع تخريب مدروس.

المطلوب اليوم ليس فقط أمنًا صامتًا، بل وعيًا شعبيًا مكافئًا، لأن الفوضى لا تدخل من الباب… بل من صدع في الجدار المجتمعي.