مشروع قانون ضريبة الأراضي 2025 – أعباء جديدة أم وصفة لأزمة عقارية واجتماعية؟

صنارة نيوز - 09/04/2025 - 2:14 pm

 

 -المواطنون مهددون بفقدان أراضيهم تحت ضغط الضريبة الجديدة

 


-ثغرات قانونية وازدواج ضريبي يربكان النظام العقاري والمالي

 


-تعريفات فضفاضة توسّع نطاق الضريبة لتشمل الأراضي داخل وخارج التنظيم


-غياب الإعفاءات يفتح الباب أمام التمييز ويقوّض العدالة الاجتماعية

 

الصناره نيوز - خاص

يتّجه مجلس النواب الأردني إلى مناقشة مشروع قانون ضريبة الأراضي لعام 2025، وسط وعود حكومية بأنه سيعزز التنمية الحضرية ويحد من الاكتناز العقاري. غير أن القراءة الواقعية لبنود القانون وتوقيته تؤشر إلى آثار مالية واجتماعية قد تكون كارثية على المواطنين والقطاع العقاري، في ظل أزمة اقتصادية خانقة وتراجع القدرة الشرائية لغالبية الأسر الأردنية.

ينص المشروع على فرض ضريبة سنوية على الأراضي غير المستغلة الواقعة ضمن حدود التنظيم، دون الأخذ بعين الاعتبار واقع تلك الأراضي من حيث توفر البنية التحتية أو جدوى البناء عليها. وتشير التقديرات الأولية إلى أن الضريبة قد تتراوح بين 3 إلى 10 دنانير للمتر المربع الواحد، ما يعني أن مالك أرض بمساحة دونم واحد فقط قد يُطلب منه دفع ما بين 3,000 إلى 10,000 دينار سنويًا، وهي مبالغ تفوق قدرة شريحة واسعة من المواطنين الذين يحتفظون بهذه الأراضي لأغراض سكنية مستقبلية أو كميراث عائلي.

رغم أن الحكومة تطرح القانون تحت عنوان الإصلاح العمراني، فإن الواقع الميداني يوضح أن آلاف القطع المشمولة تقع في مناطق غير مهيأة للبناء أساسًا، إما لعدم استكمال التنظيم التفصيلي، أو لغياب شبكات الطرق والمياه والكهرباء، أو لقيود قانونية تحول دون إصدار التراخيص. بذلك، تصبح الضريبة المفروضة بمثابة عقوبة مالية على عجز الدولة لا على تقاعس المواطنين، وتجبر كثيرين على التصرف بأراضيهم تحت ضغط الحاجة.

ويقدّر خبراء أن أكثر من 60% من الأراضي التنظيمية في المملكة ما تزال غير مستغلة، ليس بسبب الاكتناز أو المضاربة، بل نتيجة ارتفاع تكاليف البناء وغياب التمويل الكافي. وفي حال إقرار القانون، يُتوقع أن تتجه شريحة واسعة من المواطنين نحو البيع القسري لتجنب الضريبة، ما قد يؤدي إلى تراجع كبير في أسعار الأراضي بنسبة تصل إلى 30% في بعض المناطق، وانهيار في القيمة السوقية لأصول تُعدّ من أهم مدخرات العائلات الأردنية.

القطاع العقاري الذي يشكّل رافعة اقتصادية رئيسية في الأردن يعاني أصلاً من ركود ممتد منذ أكثر من سبع سنوات. وبدلًا من تحفيزه عبر حوافز ضريبية وتشجيع الاستثمار، يُخشى أن يؤدي القانون الجديد إلى مزيد من الجمود، وتراجع نشاط المقاولات والمكاتب الهندسية وقطاع التمويل العقاري، وهو ما سينعكس سلبًا على فرص العمل والاستقرار الاقتصادي. ومع غياب التدرج في التطبيق أو الإعفاءات المنصفة، يجد المواطن الأردني نفسه في مواجهة مباشرة مع قانون لا يراعي واقعه، ويهدد أحد أهم أعمدة الأمن الاجتماعي في البلاد: الأرض.

أوساط قانونية متخصصة أكدت أن الأسباب الموجبة التي بُني عليها المشروع لا تتماشى مع مضمونه، بل تتعارض صراحة مع أهداف رؤية التحديث الاقتصادي، التي تدعو إلى تخفيض الضرائب، وتحفيز الاستثمار، وتنمية المحافظات، ودعم الزراعة والأمن الغذائي. كما أشارت إلى وجود مخالفات دستورية في الصلاحيات الممنوحة لوزير الإدارة المحلية بموجب المادة (21)، إضافة إلى ما وُصف بأنه تضارب صريح مع قانون الملكية العقارية رقم (13) لسنة 2019 من حيث تعريف "الأرض"، حيث يشمل التعريف الجديد كل الأملاك الواقعة ضمن حدود البلدية، سواء داخل التنظيم أو خارجه، ما يعني إخضاع مساحات واسعة للضريبة دون تمييز لطبيعة الأرض أو إمكانية استغلالها.

الملاحظات القانونية تطرقت أيضًا إلى أن اعتماد سريان القانون من تاريخ نشره، لا يتماشى مع التعريف المعتمد لـ"السنة" الضريبية ويخلق إرباكًا محاسبيًا، خاصة في حالات الشيوع أو ملكيات المغتربين أو الورثة. كما أكدت ذات الأوساط أن مكلف الضريبة كما ورد في القانون قد يكون المالك، أو المنتفع، أو المستثمر، أو حتى المستأجر، ما يفتح الباب أمام ازدواج ضريبي وتعقيدات في المسؤولية القانونية عن الدفع.

أكثر ما أثار الاستغراب، بحسب هذه المصادر، هو غياب أي حوافز تشجيعية لتطوير الأراضي غير المستغلة، أو إعفاءات للمناطق الزراعية أو مشاريع الإسكان الحكومي أو الأراضي الوقفية، إلى جانب تجاهل كامل للأراضي ذات القيمة التراثية والتاريخية، والتي قد تتعرض للإهمال أو الهدم نتيجة الأعباء الضريبية الجديدة. كما لم يُراع القانون الخصوصية العمرية والاجتماعية للمواطنين كبار السن، وذوي الدخل المحدود، ما يشكّل إخلالًا واضحًا بمبدأ العدالة الاجتماعية في التشريع الضريبي.

وأشارت الملاحظات القانونية إلى أن النظام الضريبي المقترح في القانون لا يفرض فقط ضريبة على الأرض، بل يمتد إلى البناء القائم عليها، بل وحتى على ما يمكن نظريًا بناؤه مستقبلًا، ما يعني فرض ثلاث ضرائب على أصل واحد، الأمر الذي يخالف أبسط المبادئ الضريبية. كما أثيرت تساؤلات جدية حول قدرة البلديات على تنفيذ المسح الميداني المطلوب، في ظل غياب الكوادر الفنية المدربة، واعتماد أساليب تقليدية لا تتماشى مع الأساس التكنولوجي المفترض للأسباب الموجبة.

المخاوف القانونية امتدت أيضًا إلى آليات الاعتراض والاستئناف، حيث اعتُبر أن تشكيل لجان من ثلاثة وخمسة أشخاص للبت في اعتراضات معقدة تتعلق بواقع الملكيات غير كافٍ، فضلًا عن حصر حق الاعتراض مرة واحدة فقط، وهو ما قد يفتح المجال أمام التعسف ويحد من حقوق المالكين، خصوصًا في حالات الشيوع أو الأراضي المتنازع عليها.

وسط هذا المشهد، تتزايد الدعوات لتجميد مناقشة مشروع القانون وإخضاعه لحوار وطني شامل، يوازن بين الحاجة إلى إصلاح الإدارة المحلية، وضرورة الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، واحترام مبدأ الملكية الخاصة، وضمان أن لا يتحول القانون من أداة تنظيمية إلى وسيلة إفقار ممنهج تمسّ جوهر العلاقة بين المواطن وأرضه.