أنا أعتذر – حملة علوية تثير الانقسام بين السوريين
صنارة نيوز - 05/03/2025 - 5:28 pm
“نحن مجموعة من الأفراد الذين ينتمون إلى الطائفة العلوية ولادةً، وإلى سوريتنا اختيارًا، نتقدّم إلى الشعب السوري بجميع أطيافه، خاصة المكوّن السني، باعتذارنا بكل ما تحمله كلمة “اعتذار” من معنى”.
بهذه الكلمات انطلقت مبادرة باتت حديث شريحة واسعة من السوريين اليوم، أطلقها المهندس والمعتقل السابق في سجون نظام الأسد الأب، بسام الجمعة.
واستحوذت المبادرة على اهتمام كبير بين السوريين في الداخل والخارج، بين مدافع عن المبادرة ومثمن لجهود صاحبها في بلسمة الجراح بين السوريين، وبين من استهجن الفكرة باعتبارها تصِم طائفة كاملة بالإجرام (العلويون) وتطالبها بالاعتذار باسم النظام الذي كان مجرموه خليطًا من كل الطوائف.
طرف آخر، وفي الرد على هذه المبادرة، طالب باعتذارات متبادلة، إن كان للاعتذار أن ينفع.
وهذا الطرف يرى أن النظام أوغل في إجرامه فعلًا، وكذلك السلطة الحالية التي تقودها “هيئة تحرير الشام”، والتي ارتكبت جرائم واسعة بحق السوريين منذ تأسيسها باسم “جبهة النصرة”، وهي مستمرة بذلك حتى بعد استلامها السلطة، ويشيرون إلى الجرائم المرتكبة بحق العلويين في حمص وريف حماة والساحل.
“أنا أعتذر”
تتضمن رسالة الاعتذار التي كتبها بسام الجمعة وعرضها “على من يرغب” للتوقيع عليها دعوة للتبرؤ من نظام الأسدين، “نعلن براءتنا من الطغاة (الأب والابن) ومن جرائمهما، ومن كل من ساهم في ارتكاب هذه الجرائم. كما نؤكد على حق الشعب السوري في محاسبتهم لينالوا قصاصهم العادل، وفق ما تقرّه هيئة العدالة الانتقالية المنتظرة”.
وتدعو رسالة الاعتذار “جميع أبناء الطائفة العلوية إلى عدم التستّر على من تلطّخت يداه بالدماء أو ساهم في سفكها، وعدم إعاقة عمل الأجهزة الأمنية الرسمية”.
كما تتضمن “الاعتذار من كل أمّ وزوجة وأب وطفل، لأننا لم نستطع حمايتهم أو منع الجرائم التي ارتُكبت بحقهم من قتل وتدمير وتهجير واعتقال. نعتذر عن صمتنا وخوفنا، وعن عجزنا عن منع بعض أبناء الطائفة من دعم النظام المجرم”.
وتدعو كل من تعاطف مع النظام البائد، تحت أي ذريعة، إلى مراجعة ذاتية نقدية، وتقديم الاعتذار للشعب السوري.
وتلفت الرسالة إلى أن الاعتذار “لا يعني أننا كنا ندعم النظام السابق، بل هناك أيضًا من أبناء الطائفة من كانوا معارضين لنظام الأسد (الأب والابن)، وعانوا ما عاناه الشعب السوري من اعتقال وتعذيب وتهجير. لكن الاعتذار هو ضرورة أخلاقية وتاريخية في سبيل بناء سوريا جديدة، موحدة، يسودها العدل والمواطنة، وتحتضن جميع أبنائها”.
عن الفكرة وسببها
صاحب الفكرة، المعتقل السابق في سجون الأسد الأب، بسام أسد الجمعة قال إن الفكرة نشأت مع بداية سقوط النظام وبدأ النقاش حولها.
ويضيف: “لم أجد تجاوبًا كافيًا فقررت أن أكتب رسالة اعتذار شخصية منشورة على صفحتي، وبعد ذلك تم نقاش موسع على صفحتي وبتواصل مباشر مع العديد من الأصدقاء إلى أن توصلنا للاتفاق على مشروع الحملة ومضمونها”.
ويردف أن “الفكرة من رسالة الاعتذار هي فقط نوع من المواساة ورسائل محبة واعتراف بالجرائم المرتكبة بحق أهلنا السوريين وخاصة من السنة، وتعبير عن الرغبة بالعيش المشترك”.
ويلفت إلى أن الغاية منها “تخفيف الاحتقان الطائفي في المجتمع وهو على أشده حاليًا، وتشجيع ثقافة الاعتذار التي هي شبه معدومة بمجتمعنا السوري والمجتمعات العربية والإسلامية عمومًا”.
وبين صاحب الرسالة أنها “لا تعني أبدًا تجريم الطائفة العلوية كلها كطائفة، لأن مجرمو الأسد كانوا من كل الطوائف، ولكن نسبة ليست قليلة من الطائفة العلوية كانت وقوده وأداة حربه”.
وأشار الجمعة إلى أن الاعتذار لا يغني عن هيئة العدالة الانتقالية ودورها في محاسبة المجرمين ووضع سردية تاريخية لما حصل، وبناء ذاكرة جماعية عن الحقبة الأسدية لعدم تكرار ما حصل، لننتقل بعدها إلى دولة المواطنة.
ولفت إلى احتمال القيام بخطوة لاحقة، وهي “رسالة اعتذار جماعية من كل السوريين بكل أطيافهم موجهة لكل السوريين، وخاصة للضحايا وأهاليهم”.
“بلسمة للجراح”
“أنا مع موضوع الاعتذار، ولكن الاعتذار لا يجب أن يصدر عن مجرم، فالمجرم لا يعتذر بل يُحاسب”.
هكذا عبرت المحامية والحقوقية رهادة عبدوش عن مضمون المبادرة، مشيرة إلى أنه ليس المطلوب من طائفة بعينها الاعتذار، ولكن ربما من بعض المناطق التي يعرف السوريون أن جزءًا من أهاليها ساهموا أو ارتكبوا مجازر بحق قرى ومناطق مجاورة لأسباب طائفية.
وتعطي مثالًا: “يمكن لمختار إحدى القرى التي ارتكب عدد من سكانها مجازر بحق قرى مجاورة أن يعتذر مثلًا”.
وتنقل عن أحد الضحايا الذين ارتُكبت مجزرة في قريته من قبل مجرمين في قرية مجاورة: “نريد شخصًا واحدًا يعتذر وشخصًا آخر يتم إعدامه في ساحة البلدة لتبرد قلوبنا”.
وبالتالي، وفقًا للحقوقية عبدوش “الاعتذار يطفئ نار الانتقام ويبلسم الجراح، وبالتالي يجب على الإنسان أن يعترف بجريمته العامة، والاعتراف خطوة إلى الأمام”.
وتوضح: “الاعتذارات جزء من العدالة الانتقالية، ولكن تأثير هذه المبادرات إنساني وغير قانوني، لأنه قانونيًا على الناس أن تشتكي، والشكوى وفقًا لقانون العقوبات تحتاج لإثباتات، وبالتالي يمكن للاعتذار أن يساهم ويترك أثرًا طيبًا في نفوس المظلومين، ويبرّد قلوب المكلومين” .
من يعتذر عن من؟
الكاتب والصحفي السوري المقيم في هولندا، جورج كدر ينتقد تحميل طائفة كاملة وزر إجرام نظام دموي لم يكن طائفيًا وإنما كان “طوائفيًا” كما قال، مؤكدًا أن الأصح هو وصفه بأنه “نظام أسدي”.
ويلفت كدر إلى أن ما يحصل يذكّر بكوميديا سوداء مؤلمة، بعد الويلات التي جرها علينا موضوع “الثأر للحسين والذي يتواصل إلى اليوم” حين خرج حمصي للعلن وأعلن أنه هو من قتل سيدنا الحسين، وحين سألوه: لماذا فعلت ذلك؟، أجاب “اقتلوني وأنهوا هذا الأمر، لأنه سيستمر إلى ما لا نهاية”.
ويعود كدر إلى رسالة الاعتذار، فيسأل: لماذا على العلويين أن يعتذروا باسم النظام؟
ويضيف: “من يعتذر باسم مصطفى طلاس وفيصل المقداد ووليد المعلم ومصطفى ميرو؟ من يعتذر عن رستم غزالي وحسام لوقا وآصف شوكت وفايز النوري وعشرات غيرهم ممن كانوا ينفذون قرارات الإعدام بحق السوريين، ومن يعتذر باسم أولئك الذين نقلوا السلطة إلى الوريث المخلوع؟”.
ويختم الكاتب: “ليس الاعتذار هو الحل، بل القضاء العادل والنزيه، والقانون المسلط على رقاب الجميع من سلطة ومواطنين، هو الحل وهو الطريق نحو العدالة الانتقالية”.