إنهاء الانقسام الفلسطيني.. مجددا
صنارة نيوز - 17/02/2025 - 10:05 am / الكاتب - نادية سعدالدين
بقلم/ نادية سعدالدين
ماذا يحتاج الفرقاء أكثر من حرب إبادة مُدمرة وخطط بالتهجير حتى يتصالحوا ويتحدوا؟، تساؤل ستبقى إجابته في الحالة الفلسطينية مُعلقة بدون ردٍ شافٍ، طالما لم تتقدم حتى الآن المصلحة الوطنية العليا على الأطر الفصائلية الضيقة، وطالما لم يتم تجاوز الخلافات والتمايزات، حتى لو كانت جوهرية، في سبيل مواجهة موحدة لمشروع حكومة المتطرفين بقيادة "نتنياهو" وخطة "ترامب" لتصفية القضية الفلسطينية، بالضم والتهجير والتوطين، أو هكذا يعتقدون.
عادت قبل أيام الدعوات الفلسطينية الحثيثة لعقد حوار وطني شامل يتمخض عن مصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، بهدف إنهاء الانقسام الفلسطيني، الممتد منذ العام 2007، وتحقيق الوحدة الوطنية المنشودة، وهي دعوات مماثلة لتلك التي برزت بكثافة منذ بدء حرب الإبادة الصهيونية ضد قطاع غزة، في 7 أكتوبر 2023، وأسفرت عن بضع لقاءات يتيمة بين طرفي النزاع، في بكين والقاهرة، ولكنها انتهت كالعادة خالية الوفاض باستثناء مشاهد المصافحة التصويرية.
تدرك "فتح" و"حماس" جيداً، وكل القوى والفصائل الفلسطينية، أبعاد المخطط الصهيوني – الأميركي "لحل" ما يزعمونه "بمشكلة الفلسطينيين" على حساب إجهاض الحقوق الوطنية الفلسطينية المُتجذرة في الأرض والتاريخ معاً، وعلى حساب الدول المجاورة، وأمن واستقرار المنطقة، إلا أن الحركتين ماضيتان في الإمعان بالعداء، والامتناع عن نبذ الخلافات جانباً أمام خطورة المرحلة وتحدياتها الشائكة.
وبدون مساع جدية من كلا الطرفين؛ فإن الخلافات العميقة بين "فتح" و"حماس" لن تزول في الأفق القريب على الأقل، بينما حالة الانقسام الفلسطيني وتعثر خطوات المصالحة التي كانت سائدة قبل حرب غزة قد تستمر بعدها، إذ يشكل الانقسام أبرز التحولات العميقة في بنية المجتمع الفلسطيني، نتيجة تكريسه لانفصال جغرافي حاد بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ولخطابين متناظرين لم يقيض لهما التلاقي حتى الآن، أحدهما يدعو إلى التسوية السلمية بإخضاع القضية الفلسطينية لموازين القوى فقط، مقابل آخر يتبنى خط المقاومة خياراً استراتيجياً لمواجهة الاحتلال الصهيوني ونيل الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.
وهي إحدى تجليات اتفاق "أوسلو" (1993) الذي شكل نقطة تحول حاسمة في تكوين الحقل السياسي الفلسطيني، عند الانتقال من حقل منظمة التحرير الوطني، الذي تديره وتتفاعل في إطاره حركة تحرر (متعددة الأحزاب والتنظيمات السياسية)، إلى حقل تديره وترتب وضعه سلطة حكم ذاتي يحكمها عدداً من التدابير والقيود والالتزامات الأحادية، وفي مقدمتها التخلي عن الكفاح المسلح واعتماد استراتيجية التفاوض والاعتراف بالكيان الصهيوني، مقابل اعتراف الأخير بالمنظمة دون إقراره بالحقوق الوطنية الفلسطينية؛ مما أوجد تحولاً في النظام السياسي الفلسطيني على أساس سلطة ومعارضة، وليس على أساس مجرد تنظيمات تتفق وتختلف وتتوحد في إطار تنظيمي جامع ممثل بالمنظمة.
وقد أوجد ذلك تحديات كبيرة في بنيوية النظام السياسي الفلسطيني، تبعاً لإشكاليات نشأته وفق "أوسلو" وليس تتويجاً لنجاح المشروع الوطني في بلوغ غايته بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفق حدود 1967، وعاصمتها القدس المحتلة، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي لم يُنفذ شيء منها حتى الآن.
لا نصير لحركتي "فتح" و"حماس" سوى المظلة الوطنية الفلسطينية، فهو أكبر رد على "خطة ترامب"، شريطة توفر الإرادة السياسية الجادة لإنهاء الانقسام وإعادة بناء الوحدة الوطنية، ووضع استراتيجية موحدة تقوم بها السلطة الفلسطينية بإنهاء التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، والاصطفاف إلى جانب الشعب الفلسطيني والمقاومة معاً للتصدي للمشروع الصهيوني التوسعي في فلسطين المحتلة والمنطقة. وما عدا ذلك؛ فإن الموانع الداخلية والخارجية المُضادة ستتغلب على أي أفق للمصالحة.