البراغماتية الاقتصادية وملامح الصفقات في ظل إدارة ترامب
صنارة نيوز - 27/01/2025 - 6:42 pm / الكاتب - د.عامر سبايلة
د.عامر سبايلة
يبدو أن ملامح الصفقات في ظل إدارة ترامب القادمة تعتمد على منهجين أساسيين: الأول هو تبني الحل العملي، أي التعامل مع الواقع الحالي على الأرض، والثاني هو البراغماتية الاقتصادية، التي تجعل من المكاسب الاقتصادية المحرك الأساسي في صياغة المعادلات السياسية.
في الوقت الذي قدّمت فيه إسرائيل إلى الرئيس ترامب صفقة الهدنة في غزة، أو بالأحرى صفقة تحرير الرهائن، التي نسبها الرئيس ترامب إلى نفسه، قام بدوره برفع العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على المستوطنين. وكما اعتادت إسرائيل، كلما تم تخفيض مستوى القتال في جبهة، تنتقل المعركة إلى جبهة جديدة، وهو ما ينطبق بوضوح على الضفة الغربية اليوم.
التصعيد في الضفة الغربية لا يحمل أي مفاجآت؛ بل على العكس تمامًا، فالخطوات الإسرائيلية متوقعة. اعتبار جبهة الضفة الغربية جزءًا من جبهات التهديد السبع التي أعلنتها إسرائيل يعني ضمنيًا أن إعادة رسم جغرافيا هذه الجبهة بات أمرًا حتميًا. لكن في الضفة الغربية، تُعبِد هذه الرؤية الأمنية الطريق أمام مطامع سياسية لتفريغ مناطق وضمها رسميًا لإسرائيل. وهذا يعززه سعي نتنياهو للحفاظ على تحالفه الحكومي، عبر تقديم تنازلات كبيرة لسموترتش وتياره، إلى جانب الفرصة الكبرى التي يقدمها وصول إدارة ترامب، التي لا تُظهر معارضة جوهرية لمثل هذه الخطوات.
من وجهة نظر أردنية، يجد الأردن نفسه اليوم أمام واقع جديد؛ فجبهة الضفة الغربية هي الجبهة التي تنعكس عليه بشكل مباشر. لكن يجب الإقرار بأن فتح هذا الملف لن يجعل إغلاقه مسألة سهلة دون حلول غير تقليدية، بمعنى أن الأمور قد تصبح أقرب إلى الحسم منها إلى المراوحة والجمود.
كل هذه المتغيرات السريعة منذ السابع من أكتوبر تُلزم الأردن بفتح باب المراجعات السياسية، ليس فقط لإعادة تقييم المواقف، بل لاكتساب القدرة على تفكيك رموز المعادلة القادمة، وأهمها كيفية التعامل مع التداعيات القادمة من جبهة الضفة الغربية، والأهم هو كيفية التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة.
أي إستراتيجية أردنية قادمة يجب أن ترتكز على "الواقعية السياسية"، التكيف مع المتغيرات، والتأقلم مع الواقع الجديد، مع إيجاد دور حقيقي وفعّال في المنطقة. لكن نقطة الارتكاز الحقيقية لأي إستراتيجية قادمة هي إدراك أن التحالفات القديمة قد تتراجع قيمتها وفعاليتها في حال غياب المصالح الاقتصادية.
من هنا، فإن جغرافيا الأردن يمكن أن تُشكل مدخل الحلول للاستفادة من المشاريع الكبرى وتحويل هذه الجغرافيا إلى نقطة محورية. مشاكل الأردن الاقتصادية يصعب حلها اليوم بوصفات داخلية، بل تتطلب اندماجًا أردنيًا وتعظيمًا لقيمة الجغرافيا ضمن رؤى إقليمية كبرى، لتجنب واقع قد يضع الأردن في زاوية تلقي نتائج الأزمات دون أي مكتسبات.
الحكومة الأردنية، التي تسعى للظهور بصورة الحكومة الميدانية الساعية لتحريك عجلة الاقتصاد وإحداث تغيير على الأرض، يجب أن تبدأ بتحضير شراكات اقتصادية إقليمية عبر تهيئة الفرص وتذليل العقبات أمام القطاع الخاص الأردني ليكون عنوان الانفتاح على الفرص الجديدة في المنطقة. كما يجب العمل على دفع القطاع العام للتأقلم مع المتغيرات الإقليمية وتفعيل الحدود الأردنية إيجابيًا، سواء في سورية مستقبلًا أو من خلال التعاون والتكامل مع المشاريع والفرص لدى الجار السعودي.
وصول إدارة ترامب في المرحلة الحالية، بعد متغيرات كبرى شهدتها المنطقة من غزة إلى سورية ولبنان، وانحسار دور إيران، يجعل من البراغماتية الاقتصادية التي تهيمن على إدارة ترامب أكثر قابليةً للتطبيق. هذا يضع المشاريع الاقتصادية الكبرى – من بنية تحتية، ومشاريع طاقة، وخطوط مواصلات، وموانئ تجارية برية وبحرية– في صدارة طموحات المرحلة القادمة. باختصار التعامل مع هذه المرحلة يتطلب سياسة واقعية ومدروسة لمواكبة موجات البراغماتية الاقتصادية القادمة.