العفو العام: تسخين نيابي أم حاجة ملحة؟
صنارة نيوز - 01/01/2025 - 4:12 pm / الكاتب - أحمد حمد الحسبان
أحمد حمد الحسبان
في مشهد فسره بعض المتابعين للشأن البرلماني بأنه موسم تسخين طبيعي تزامن مع بدايات انطلاق الدورة البرلمانية الأولى لمجلس النواب الجديد، واعتبره آخرون استجابة لحاجات ملحة يطالب بها الشارع، وسعي لتجاوز بعض الهنات التي ميزت أداء المجلس النيابي السابق، قرر نواب إخضاع خمسة وزراء إلى الاستجواب على خلفية أسئلة نيابية اعتبرت إجاباتهم حولها غير كافية.
وبالتزامن، قدم أكثر من سبعين نائبا مذكرة تطالب بإصدار عفو عام جديد، مبررين المطلب كما ورد في المذكرة نصا بأنه «تعزيز للمصلحة الوطنية والسياسية في ظل الظروف الإقليمية المحيطة، والتخفيف من الأعباء الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الشعب الأردني، وتحقيق طموحات جلالة الملك والمواطن الأردني، في ظل مرور عام دون إصدار عفو عام جديد، وتعزيز الثقة بين المواطنين والدولة، ودعم التماسك الاجتماعي، خصوصاً مع استمرار الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة».
مجمل القراءات ترى في هذا النوع من التسخين النيابي أمرا طبيعيا، وتعبيرا عن استمرار تأثر الكثير من النواب بحملاتهم الانتخابية، وبالوعود التي قطعوها لناخبيهم، ومحاولات إظهار تميزهم في التعبير عن قضايا المواطنين تحت القبة. وهناك من يرى أن المجلس الحالي يحاول محاكاة مجلس «1989» الذي يراه الشارع متميزا من حيث مستوى الخطاب، وقوة ونضج المعارضة، ومنطقية الطرح.
غير أن الكثير من القراءات تعتقد أن الحماسة تخف تدريجيا، والاندفاعة تتراجع شيئا فشيئا، وصولا إلى حالة من التكيف مع الواقع الذي يكون مختلفا عن تلك الصورة.
المذكرة البرلمانية التي تطالب بـ"العفو العام" سلمت إلى رئاسة المجلس للسير في إجراءات حددها الدستور والنظام الداخلي، وتتمثل بمناقشتها على مستوى اللجنة المختصة والمجلس، ومن ثم رفعها إلى الحكومة في حال حصولها على موافقة الأغلبية البرلمانية، لوضع صيغة مشروع قانون وإعادته إلى المجلس للسير في إجراءات وضعه موضع التنفيذ.
اللافت هنا، أن المذكرة تم تقديمها بعد أقل من تسعة أشهر من وضع قانون للعفو، تم بموجبه الإفراج عن 7255 نزيلا من مراكز الإصلاح من بينهم 4688 من المحكومين بقضايا جنحية تتعلق بالمخدرات. كما استفاد من العفو آلاف الأشخاص في قضايا مخالفات وغرامات. بينما استثنى القانون جرائم جنائية وجنحية ومخالفات وأفعالا جرمية من 24 قانونا.
المذكرة النيابية تم تقديمها وسط انقسام شعبي بين مؤيد يرى أن القانون الذي وضع بأمر ملكي، وأقر وأصبح نافذا مع بدايات شهر نيسان الفائت، لم يكن شاملا، ولم يتماش مع تصورات مجلس النواب السابق. ومتحفظ يرى أن وضع قانون جديد بهذه السرعة يفرغ موضوع العفو من مضمونه. خاصة وأن الكثير ممن أفرج عنهم بموجبه عادوا إلى ممارسة مخالفاتهم وأدخلوا من جديد إلى السجن.
وفي هذا السياق يتم تداول أرقام لم يتم تأكيد دقتها من مصادر رسمية حيث تشير إلى أن عدد الذين أدخلوا إلى السجن بعد نفاذ العفو زاد بألفي شخص - تقريبا - عن عدد المفرج عنهم. وأن مراكز الإصلاح التي عانت من اكتظاظ غير مسبوق عندما وضع القانون قبل منتصف العام 2024، عادت لتعاني من اكتظاظ أكبر.
وهناك من يرى أن قضايا الشيكات التي كانت سببا رئيسا من أسباب المطالبة بإصدار العفو العام لم تنته، ولم تسهم في عودة آلاف الأردنيين المقيمين في الخارج هربا من السجن بسبب ديونهم وما وقعوا عليه من شيكات.
ويرى البعض أن ذلك يعزز القناعة بأن العفو النافذ لم يكن شاملا ولا كافيا، وأنه يحتاج إلى إعادة قراءة، أو إلى قانون جديد، يستجيب لمطالبات شعبية واعتصامات عائلية نفذتها نساء وأطفال طالبوا بالإفراج عن ذويهم المسجونين في قضايا جزائية كان تكييفها القانوني ضمن إطار عدم الاستفادة من العفو وإكمال مدة المحكومية مع أن الكثير منها متعلق بالحق العام فقط.
المذكرة سلمت إلى رئاسة المجلس، غير أن إدراجها ومناقشتها ما يزال موضع بحث داخلي. فالمعلومات المتسربة من أروقة المجلس تشير إلى أن اتصالات مكثفة تجري بين النواب أنفسهم وفي مسار آخر داخل الأحزاب التي ينتمي لها النواب الموقعون على المذكرة، ما يعني أن هناك هامشا لدى الرئاسة والمكتب الدائم، والنواب مع أنفسهم وأحزابهم، للتعاطي مع المطلب، خاصة وأن القانون الذي صدر قبل منتصف العام الحالي "2024" ما زال نافذا، وما زال التعامل مع أحكامه، وتطبيقاته نافذة حتى اللحظة، ولم يقفل باب الاستفادة من تطبيقاته. والأهم من ذلك كله فإن صدور قانون عفو عام مرتين خلال سنة واحدة قد تكون نتائجه أكثر سلبية وأقل إيجابية.
أما من حيث الاستجوابات، فقد تتسع الدائرة، وقد يتحول الكثير من الأسئلة إلى استجوابات، وقد يصل بعضها إلى مستوى طرح الثقة بوزير أو أكثر. وقد تنتهي عند حدود نقاشات عادية. فالأمر متعلق بما لدى المستجوِب (بكسر الواو) من معلومات ووثائق وما لديه من وسائل إقناع لاستقطاب الأغلبية اللازمة في مثل هذه الحالات.