فرع فلسطين...

صنارة نيوز - 21/12/2024 - 12:21 pm  /  الكاتب - خلدون ذيب النعيمي

خلدون ذيب النعيمي

عن رواية الكاتب جلال الدين الحمامصي «حوار خلف الأسوار»، أنتجت السينما المصرية في نهاية سبعينات القرن الماضي فيلم «إحنا بتوع الأتوبيس» من اخراج المبدع المخضرم حسين كمال، ويعتبر هذا الفيلم الذي جسد شخصياته الفنان عادل امام والراحل عبدالمنعم مدبولي من اكثر افلام السينما المصرية التي استطاعت تجسيد الواقع في فترة الخمسينات والستينات أيام المد الثوري والقومي، حيث كان وقتها مجرد انتقاد البلدية في عدم الاهتمام بنظافة الحي بمثابة خدمة للمشاريع الأمبريالية التي لا تفتأ تستهدف الجهود التحريرية والوحدوية للأمة، والمطلع على قصة الفيلم يرى حجم القهر والتنكيل برجلين اختلفا بمحبة بينهما على من يدفع الاجرة عن الاخر في الاتوبيس ليجدا نفسهما في احد المعتقلات بالتزامن مع حملة مداهمة لمعارضين، وتستمر الاحداث في الفيلم ليكتشف الجميع زيف كل ما يجري من شعارات ثورية وقومية في المجتمع والمعتقل مع انكشاف نتائج هزيمة حزيران 1967م.

حضر ببالي هذا الفيلم وأنا اشاهد كمثل الملايين من هذه الأمة مشاعد الرعب والأسى والتنكيل على الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي التي كان يتعرض لها ابناء الشعب السوري في مختلف المعتقلات والفروع الأمنية، وكان لافتاً وجود فرع تحقيق مشهور بتعذيبه كما يشير المعتقلون السابقون فيه يسمى فرع فلسطين في احد ضواحي دمشق حيث ذاقوا فيه لسنين طويلة اصناف العذاب والاعتداءات على انسانيتهم وكرامتهم، وفرع فلسطين هذا أوجدته بالأساس السلطات مع بداية السبعينات كنقطة تواصل مع المنظمات الفلسطينية العاملة على الساحة السورية، وبقدرة قادر اصبح هذا الفرع مكاناً للتنكيل بالمعارضين من أبناء الشعب السوري وغيرهم والمصيبة الأكبر انه بقي يحمل اسم «فلسطين».!!.

أسم فلسطين يرتبط بوجدان ومخيلة كل عربي بكل شيء جميل وعزيز، فكيف استطاع البعض التحجج بالعمل على تحريرها ومقاومة المحتل للتنكيل بكرامة شعبه وتجريعه مختلف اصناف العذاب، والتهم المعلبة الجاهزة حول التعاطف مع الامبريالية وغيرها «على قفى من يشيل» كما يقولون...، لا أعلم ممن كان له بالعمر بقية وخرج حياً من فرع فلسطين ماذا سيدور بباله عندما تذكر امامه كلمة «فلسطين»...؟!

ففلسطين التي لا يكفيها جرحها وتشريد شعبها اصبحت لديهم مجالاً لمزايداتهم الشخصية والفئوية، ولكن مهلاً ستبقى فلسطين بطهارتها قضية كل حر، فلا فائدة لتحرير الأوطان ان لم يحرر الإنسان وستبقى بقضيتها منارة حق بعيداً عن مزايدات «إحنا بتوع الأتوبيس» وتنكيل «فرع فلسطين».