ماذا يحدث في سوريا؟.. وماذا يجب أن يحدث!

صنارة نيوز - 12/12/2024 - 1:40 pm  /  الكاتب - عدنان البدارين

بقلم: عدنان البدارين

لفهم ما يجري في سوريا، لا يكفي أن تكون كاتبًا صحفيًا فقط؛ بل قد تحتاج ان تكون ساحرا او منجما. الأحداث تتسارع بشكل غير مسبوق، وتتداخل بشكل معقد، في وقت تتغير فيه خريطة الصراع بوتيرة أسرع من الرمال المتحركة في الصحراء. يصعب، إن لم يكن مستحيلًا، التنبؤ بما قد تحمله الساعات والايام القادمة.

 

خلال الأيام القليلة الماضية، شن تحالف مسلح بقيادة "جبهة النصرة"، التي تُعرف الآن بـ"هيئة تحرير الشام" المدعومة من تركيا، هجومًا واسعًا استهدف المدن الكبرى في سوريا. هذا الهجوم أثار قلقًا واسعًا بسبب الأيديولوجية المتشددة للجماعة، التي يقودها أبو محمد الجولاني – احمد الشرع-، الزعيم المثير للجدل الذي يمتلك ماضٍ معقد، مما يزيد تعقيد المشهد. وكان الهجوم بمثابة تحول كبير، حيث سقط نظام بشار الأسد في أيام معدودة.

 

سقوط النظام وتداعياته على حلفاء دمشق

سقط النظام سريعًا بسبب انشغال حلفاء دمشق الرئيسيين، روسيا وإيران، في صراعات إقليمية ودولية أخرى، مما أضعف دعمهم الميداني للنظام. ففيما تعاني إيران من ضربات (إسرائيلية) مؤلمة استهدفت مواقع داخل إيران نفسها وفي لبنان وسوريا، أسفرت عن مقتل قادة عسكريين إيرانيين والسلم القيادي لحزب الله، تركز روسيا معظم مواردها على الحرب في أوكرانيا، مما أثر بشكل ملحوظ على قدرتها على دعم النظام السوري مقارنة بتدخلها المباشر عام 2014 لإنقاذ الأسد.

 

الانعكاسات الإقليمية: روسيا، إيران، والخليج

وكانت هزيمة بشار الأسد هزيمة استراتيجية لكل من روسيا وإيران في بلاد الشام. ومع انهيار وكلائها، ستضطر إيران إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الأمنية وأذرعها. على سبيل المثال، هل سيشهد الحوثيون مصيرًا مشابهًا لنظام الأسد؟ وهل سنشهد خسوف الهلال الشيعي.

 

كما أن هذه الهزيمة تمثل انتكاسة لدول الخليج التي كانت تحاول تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، حيث أصبحت معرضة لخسارة نفوذها السياسي في المنطقة. بالمقابل، من المرجح أن تكسب تركيا، التي دعمت المتمردين السوريين منذ فترة طويلة، مزيدًا من النفوذ في ظل هذه التطورات.

 

إمكانية تغيير تصنيف "هيئة تحرير الشام"

السؤال الآن: هل سيعامل الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، "هيئة تحرير الشام" كما عاملت واشنطن حركة طالبان في أفغانستان؟ وتمنحها صكوك البراءة والغفران.

 

تشير أوجه التشابه بين الحالتين إلى احتمالية ذلك. فقد نجحت حركة طالبان في العودة السريعة إلى السلطة عام 2021 بعد جهود مكثفة لتقديم صورة أكثر اعتدالًا. على نفس المنوال، تسعى "هيئة تحرير الشام" إلى تحسين صورتها في الداخل والخارج، لقاء احمد الشرع مع وسائل اعلام عالمية من بينها cnn كان من ضمن الجهود في هذا الإطار.

 

تشير تقارير عديدة إلى أن الإدارة الأمريكية قد تعيد النظر في تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية. إلا أن هذه المراجعة تواجه معضلة حقيقية، وهي سجل الهيئة الحافل بالمعاملة "القاسية" تجاه خصومها السياسيين. هذه المعاملة تجعل من الصعب تبرير تغيير التصنيف، خاصة في ظل التحفظات الدولية والمخاوف من تمكين جماعات متشددة تحت غطاء الاعتدال، الا ان مثل هذا الامر قد يحدث.

 

دور الأكراد في مستقبل سوريا

كذلك، من أجل مستقبل هادئ لسوريا، يجب على الأكراد، الذين يعدون من أبرز المجموعات المسلحة التي ساهمت في إسقاط نظام الأسد، أن يظهروا مرونة سياسية وأيديولوجية ليصبحوا جزءًا من مشروع حكم انتقالي شامل في دمشق. وعليهم أن يدركوا أيضا أن تركيا لن تسمح لهم بدولة مستقلة.

 

التحديات في كبح نفوذ الجماعات المتشددة

ومع ذلك، فإن كبح نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة لن يكون بالمهمة السهلة. ولكن إدراج هذه الجماعات في العملية السياسية، مع التحضير لانتخابات مرتقبة خلال عام، إضافة إلى النفوذ التركي المتزايد، قد يسهم في تحقيق درجة من الاعتدال وإعادة التوازن إلى المشهد السياسي.

 

المهمة العاجلة: تشكيل هيئة حكم انتقالية

تتمثل المهمة العاجلة في إنشاء هيئة حكم انتقالية قادرة على احتواء جميع الأطراف - ربما تقوم حكومة محمد البشير المؤقتة بهذه المهمة -، بما في ذلك أولئك الذين قد يتحولون إلى فصائل متقاتلة. فإذا انزلقت سوريا الآن إلى حالة من الفوضى، فإن القوى الإقليمية والدولية، سواء القريبة أو البعيدة، ستعمل بلا شك على تعميق النزاعات بما يخدم مصالحها الخاصة.

 

فرصة جديدة لسوريا والشعب السوري

في نهاية المطاف، قد لا تكون سوريا أسوأ مما كانت عليه سابقًا. بل على العكس، بات لدى ملايين السوريين الآن فرصة للعودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم، مع توفير التوازن اللازم في مواجهة الميليشيات المسلحة والتطرف. سيظل الغرب مهتمًا بسوريا، ليس فقط في سياق مكافحة عودة تنظيم "داعش"، بل أيضًا من خلال دوره في ضمان أمن (إسرائيل)، والمساهمة في مساعدة البلاد على التطور.

 

ومع ذلك، من السابق لأوانه الجزم بما إذا كانت الإطاحة بنظام الأسد ستجلب المزيد من الرخاء للشعب السوري أو الأمن للمنطقة. في نهاية المطاف، سيكون للشعب السوري وحده الحق في تقرير مستقبل حكمه. لكن مثل هذه اللحظات التاريخية نادرة وعابرة للغاية، وإذا ما كانت الجهات الإقليمية حكيمة، فإنها ستستغل هذه اللحظة كفرصة لتشكيل مستقبل المنطقة.