الصهيونية والسلام.. متضادان لا يلتقيان

صنارة نيوز - 08/10/2024 - 3:28 pm  /  الكاتب - نادية سعدالدين

يتعارض مفهوم السلام مع الأسس الأيديولوجية للكيان الصهيوني القائمة على العنصرية والاستيطان والتوسع، مما يُفسر مُتلازمة شن الحروب ونزعة العدوانية والعنف لهذا الكيان المُحتل «الدخيل» في أرض فلسطين المحتلة وسط الإرث الحضاري العربي.

وتُدرك قوى التطرف داخل الكيان المُحتل مسألة التناقض القائم بين الصهيونية وبين السلام والتعايش، مثلما تعي جيداً العلاقة الطردية بين إحلال السلام والاستقرار في المنطقة وبين تحلل الفكر الصهيوني التقليدي، لأن السلام يعد احتضاراً للفكر الصهيوني ونهاية له كأيديولوجية عفا عليها الزمن.


منذ توقيع المعاهدة المصرية- الإسرائيلية (1979)، ظهرت في دوائر السجال الفكري الصهيوني بدايات التناقض بين الثوابت الأيديولوجية وآليات العمل السياسي، أخذت مداها عند اتهام حكومة المتطرف «مناحيم بيجين» بالتخلي عن «أرض إسرائيل الكاملة» المزعومة، التي تشكل جزءاً من المقولة الأيديولوجية الصهيونية وامتداداً حيوياً للأمن القومي للكيان المُحتل.


كما أدت مشاركة ساسة الاحتلال في مؤتمر مدريد (1991) لسجالٍ مشابه، ولكنه أكثر حدة واتساعاً لتيارات التجمع الصهيوني، وسط تحولات لاحقة فرضت إعادة البحث عن هوية الكيان الصهيوني، إزاء بروز مقولات «ما بعد الصهيونية» حول المأزق الصهيوني في قيادة «الدولة» وتحديد «هويتها» بتركيبتها الفسيفسائية، والعجز عن حل مشكلة وجود الشعب الفلسطيني، وفشل أدوات التهجير والتنكيل والعنف في التخلص منه، أمام صلابة صموده واستمرار المقاومة.

 


أسست العملية السلمية حينها لملامح مرحلة صهيونية جديدة تبرز فيها المساءلات عن وظيفة الكيان المُحتل ودوره وهويته ومستقبله، كما أحيطت الشكوك حول جدوى مقولات صهيونية مثل «إسرائيل الكبرى» أو «أرض الميعاد» التي تشكل أس الدعاوى الصهيونية التاريخية والدينية والأيديولوجية التي تنظر إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بصفتهما جزءاً من «أرض إسرائيل التاريخية»، المزعومة.


ولا يعني ذلك استبعاد الرواية الصهيونية الزائفة حول ملكية «أرض فلسطين»، فهي مصدر غذاء الكيان المُحتل وديدن دوره «الوظيفي» واستمراريته بالمنطقة، ولكنها أثارت معضلة أمن الاحتلال حينما يضطر للتفاوض حول وجوده، إما بشكل دائم أو مؤقت، في الضفة وغزة.


إلا أن الكيان المُحتل غير مستعد لتبديل طبيعته وخطابه الأيديولوجي رغم محاولاته للتكيف مع المتغيرات الدولية والإقليمية، فهو يبحث عن صيغة (ما) تمكنه من تحقيق السيطرة والأمن بدون أن تؤدي إلى اهتزاز داخلي وفقدان مصداقية المشروع الصهيوني، سواء بالنسبة للمستوطنين أو للمركز الإمبريالي الذي يتبع له، وهو أحد أهم التناقضات التي تكتنف مسيرة التسوية السلمية.


ومن هنا يأتي الرفض الصهيوني المُطلق للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة وفق حدود 1967 ولتقسيم القدس ووقف الاستيطان وحق العودة، لأن الموافقة عليها في إطار أي تسوية سلمية تعني وصفة جاهزة لزوال الكيان المُحتل، مما يؤدي، في المقابل، إلى تقويض أي تحرك للتوصل لاتفاق، واستمرار المقاومة ضد الاحتلال لتحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية.


إن الكيان الصهيوني ليس مستعداً للذهاب إلى السلام اليوم، لأنه لم يستكمل بعدْ مشروعه الاستعماري التوسعي في فلسطين المحتلة والمنطقة، ومن غير المرجح أن تُسهم حلول التسوية السلمية، مثل «حل الدولتين»، في ردعه عن مخططه.