‎ماذا لو خسرت الحكومة قضية العطارات !؟

صنارة نيوز - 03/08/2024 - 11:40 am  /  الكاتب - عصام قضماني

في الاجابة عن سؤال عنوان المقال .. على فرض ان ذلك لم يحدث لكن يحق لنا ان نسال هنا ماذا لو انه حدث .!.
من المهم ان اشير هنا الى ان الحكومة انذاك تجاهلت كل الاراء القانونية الوازنة التي نصحتها بان القضية ليست ذات جدوى وان سبيل المفاوضات مع الشركة كان افضل من لجوء غير مضمون النتائج الى التحكيم لكنها اي الحكومة استمعت الى راي قانوني واحد وفضلته على غيره .

المشكلة الاهم ان تحميل المسؤولية لحكومة او اشخاص عن القرارات الخاطئة التي تنطوي على خسارة مادية مكلفة ليس عرفا سائدا في بلدنا مع ان من الواجب ان يتم محاسبة الحكومة او الاشخاص الذين تسببوا بذلك لمعرفة الخطأ واخري الحقيقة وتحمل المسؤولية مهما كانت النتائج تماما كما يجب الثناء عليهم في حالة وقفهم لنزيف او خسارة للاقتصاد الوطني لو كانت قراراتهم صائبة .

‎القضية نتجت عن الاتفاقية التي تمت بين شركة الكهرباء الوطنية "وزارة الطاقة"، وشركة تتكون من ائتلاف صيني وماليزي واستوني، وذلك لغايات توليد الطاقة.

تلقت الحكومة انذاك نصائح بتعطيل هذا المشروع الضخم واللجوء للتحكيم وان هذا الخيار سيكون أهون على الخزينة من كلفة شراء الطاقة بالأسعار التي ينص عليها العقد المبرم مع شركة الكهرباء الوطنية والذي ضمنته وتكفلت بدفع قيمته

ما حدث انذاك أن الحكومة أقامت دعوى تحكيمية ضد الشركة للمطالبة بفض الاتفاقية وبالتعويض عن قيمة الاتفاقية ووقف الضرر من الغبن .
لكن كان معروفا انه في حال خسارة الحكومة لهذه الدعوى، فسيترتب عليها دفع ملايين من الدولارات للائتلاف المذكور، عن الكسب الفائت وعن تعطيل المشروع الذي بات جاهزا للانتاج .

في حينها أعلنت وزيرة الطاقة والثروة المعدنية في حكومة عمر الرزاز انذاك هالة زواتي، التي سبق لها وان اشادت بالمشروع الطموح في مناسبات عدة ، أن شركة الكهرباء الوطنية "نيبكو" والحكومة باشرتا إجراءات التحكيم في مواجهة شركة العطارات للطاقة حول اتفاقية شراء الطاقة وكفالة الحكومة لالتزامات شركة الكهرباء الوطنية، المرتبطتين بمشروع الصخر الزيتي لإنتاج الكهرباء في منطقة (العطارات).

لا يمكن النظر إلى اتفاقية توليد الطاقة في مشروع محطة الحرق المباشر للصخر الزيتي في منطقة عطارات «أم الغدران» وسط المملكة، بمعزل عن الظروف التي وقعت في ظلها هذه الاتفاقية.

سارع الأردن إلى القضاء الدولي للفصل في هذه الاتفاقية تحت مبرر ارتفاع تكاليف شراء الكهرباء بعد نصائح ومشاورات قدمها محامون ومستشارون.

اساس دعوى التحكيم ان الاتفاق سيكبد الاقتصاد والخزينة مبالغ كبيرة بسبب التسعيرة.هذه هي المعادلة التي حددتها الحكومة للتعامل مع المشروع وهي تبدو مقبولة في السياق الشعبي لكنها من الناحية الاقتصادية والقانونية ستكون أكثر تعقيداً.
كان أمام الحكومة آنذاك ثلاثة خيارات، خفض الكلف أو تملك المشروع من قبل أو الدخول كشريك لكن تم اختيار اللجوء إلى القضاء كخيار رابع.

لم نسمع أن المفاوضات بخصوص حلول مطروحة عدا القضاء قد جرت ووصلت الى طريق مسدود، لكن على الأرجح أنها طرحت دون الإفصاح عن تفاصيلها، ويتعين على الحكومة أن تشرح للرأي العام نتائج التقاضي والموقف في القضية بما لا يضر بها، لأن التصريحات غير المسؤولة ستكون سلاحاً بيد الخصم.

اتفاقيات اخرى لشراء الطاقة مرشحة لان تكون قيد المراجعة والتدقيق مثل شراء الغاز من حوض المتوسط وحتى معادلات شراء النفط والمحروقات.

هذه الخيارات يجب أن تسري على كل المشاريع المماثلة وخصوصا تلك التي شعرت الحكومة بالغبن في مرحلة لاحقة لتوقيعها مع اختلاف الظروف.

بالنسبة للحكومة يبدو تملك المشروع مسألة صعبة للغاية فالمبالغ المطلوبة لإتمام هذه الصفقة باهظة مع ان تملك المشروع مفيد للاقتصاد وللخزينة على المدى البعيد لكن يتعين عليها أولا أن تحشد لمثل هذه الخطوات المال اللازم لشراء الحصص التي تضاعفت ليس بفعل الزمن فقط بل هي قيمة الاستثمارات التي ضخت فيها والعملية تحتاج الى قرار سياسي محاط بدعم وتعهدات جهات كانت عارضت هذا الاتفاق.

حتى لا يتحول المشروع الى جرح غائر في صدر الاقتصاد كان يتعين دراسة الخطوات القانونية بكفاءة عالية وبحذر شديد وربما من المفيد فتح قناة تفاوض خلفية في اطار خطة (ب)!.

لا المراجعة ولا خيار التملك سيكونان بسهولة التفكير فيهما فما بينهما التزامات وتكاليف سيعرضها المستثمرون، قد تصل إلى طلب التعويض في حال تم وقف هذه الاتفاقيات وبعض الشروط فيها محتملة بالمقارنة مع الوفر في حال وقفها أو تخفيض أسعار شراء الطاقة وبعضها سيكون مكلفا جدا على الخزينة في حال التملك وشراء الحصص وقد تذهب أخرى إلى القضاء. صحيح ان مراجعة الاتفاقيات لمصلحة الاقتصاد ولمصلحة خفض تكاليف الطاقة وهي مصلحة وطنية لكن هل كان يجدر تثبيت مثل هذا الحق في هذه الاتفاقية واتفاقيات مماثلة كان يلتزم طرفا الاتفاقية بمراجعة ربعية على مدى سنوات الالتزام بها .

ملف الطاقة مفتوح وأظنه سيبقى كذلك فالاتفاقيات ليست مقدسة إذ يمكن مراجعتها إن حملت غبنا لكن ما ليس ممكنا هو التضحية بآفاق إستراتيجية في سياق نظرة محاسبية آنية.

ليس هذا هو المشروع الوحيد الذي، يكبد الاقتصاد والخزينة مبالغ كبيرة بسبب التسعيرة التي تناهز ٣٠٠ مليون دينار سنوياً، فهناك فوائض من الطاقة تغطيها الخزينة من محطتين أخريين على الأقل.