"لا يوجد رجال جيّدون"!

صنارة نيوز - 2015-03-18 10:11:52

محمد ابو رمان

أعجبني، بالفعل، تعليق "في هذه الحرب لا يوجد رجال جيّدون"، لأحد الأصدقاء (على صفحتي في "فيسبوك)، تعقيباً على تقرير مصوّر لقناة "ABC" عن سلوك وحشي لمليشيات "الحشد الشعبي" في تكريت.
بالفعل، لا يوجد، ولا يمكن أن يوجد رجال جيّدون في هذه الحرب. لا يوجد هنا شيء اسمه انتصار وهزيمة؛ فالكل مهزومون. ولا خير وشرّ؛ فما يحدث هو شرٌّ بالتأكيد. مشاهد الحرق والقتل والذبح وقطع الرؤوس، والتنكيل بالمدنيين والنساء، أصبحت مشهداً يومياً اعتيادياً، وخبراً نمرّ عليه مرور الكرام. من سيفرح وهو يرى أناساً في أقفاص يقتلون بطريقة مذلة، أو مدنيين يستخدم الغاز القاتل ضدهم في إدلب، تحت سمع العالم وبصره للمرة العشرين ربما، خلال هذا الصراع!
الاستقطاب السياسي المتلبّس بالبعد الطائفي، اجتاح المنطقة العربية، وأصبح طولياً وعرضياً؛ يبدأ بالنخب السياسية مروراً برجال الدين والعلماء والمثقفين، وصولاً إلى العوام. لكن في مثل هذه "الحروب الداخلية"-الأهلية، يتم تبديل مقاعد القيادة؛ فربما على أرض الواقع وفي المعارك يصبح من هو أقل ثقافةً وأكثر سذاجةً وغباءً وسطحيةً، في مقدمة الركب، بينما المثقف العقلاني المعتدل يصبح إما ملحقاً أو منبوذاً من الجمهور الغفير الذي تسيطر عليه مشاعر الانتقام والهاجس الوجودي والهويّاتي!
كم شعرتُ بالحزن العميق في داخلي، وأنا أستمع إلى مداخلة جميلة من الدكتور الصديق حيدر سعيد -وهو بالمناسبة شيعي عراقي ذو خلفية يسارية، لكنه اليوم يمثل التيار الديمقراطي الأصيل- يتحدث فيها عمّا سماه "امتحان الضمير" الذي يتعرّض له المثقف العربي من الشريحة الاجتماعية الواسعة التي ينتمي إليها. فإذا كنت شيعياً، لا بد أن تؤيد ما تقوم به قوات "الحشد الشعبي"، وإلاّ فأنت مشكوك فيك لا مكان لك في قومك، وربما تطلق عليك بسهولة وصفات الخيانة والارتهان للأعداء.
هذه الحال، بالمناسبة، تنطبق على كثير من العلماء والمثقفين والمفكرين. وسمعت ما هو أكثر إيلاماً منها من العالم الراحل هاني فحص، وهو شيعي لبناني، له آراؤه المعتدلة الوسطية العقلانية، فكان يعاني أشدّ المعاناة لأنّه يتحدث بلسانٍ مختلف عن الروح الغرائزية العاطفية الهائجة.
السؤال الحالي، الذي يطرحه السُنّة في كل من العراق وسورية، هو: "اليوم التالي لداعش". فإذا كانت مؤشرات ما سيحدث في الموصل هي ما حدث مؤخراً في تكريت، فإنّ خيار المجتمع السُنّي في الأيام المقبلة سيكون داعشياً، طالما أنّ الأفق السياسي ما يزال مغلقاً ومسدوداً، ولا توجد ضمانات حقيقية لمستقبل أفضل!
مؤخراً، وصف مسؤول غربي كبير مطّلع على ملفات المنطقة، وقلق جداً من المرحلة المقبلة، ما يحدث بأنّ "المارد الطائفي خرج من القمقم". وتساءل فيما إذا كان بالإمكان إعادته إلى الزجاجة. هل ذلك ممكن فعلاً؟ وكيف؟!
هل نتصالح مع المستقبل، أم نريد الغوص في أعماق الخلافات العقائدية والمذهبية التي نشأت أصلاً عن خلافات سياسية تمّ تلبيسها ثوباً دينياً؟!
هل الصدام مع إيران والمجتمع الشيعي هو الخيار الوحيد، أم بإمكاننا الحوار إقليمياً والتوافق داخلياً على صيغ تعددية ديمقراطية مدنية؟!
بالرغم من صيحات الثأر، ومشاهد الدم والفوضى، والاستقطاب المرير، ومنطق الغرائز الهويّاتية؛ فإنّ الباب ما يزال مفتوحاً أمام سياسات عقلانية، إقليمياً ومحلياً. من يصنعون المشهد اليوم، جميعهم ليسوا رجالاً جيدين؛ الجيدون هم من يبحثون عن المستقبل الأفضل، وهو حتماً يقوم على التقاء المصالح العربية-الإيرانية إقليمياً، والمصالحات الوطنية والديمقراطية والتعددية والتنوع داخلياً. أما غير ذلك، فهي طريق الدمار والهلاك للجميع.