متى تصحو ضمائرنا ايها السادة..؟!
صنارة نيوز - 2015-03-16 09:04:24حسين الرواشدة
لا يكفي ان نتفرج، فبعد كل حلقة من مسلسل الفوضى والعبث والقتل الذي يعرض في منطقتنا تطالعنا مفاجأة جديدة، ويصبح بمقدورنا ان نتنبأ بما هو اسوأ، وان نتخيل ذات السيناريوهات وهي تتكرر بأبطالها وممثليها وطواقمها الجاهزة، ولا يفيد الانتظار، فما حدث في بغداد امتد بلمحة عين الى دمشق وبيروت وصنعاء ،ويوشك ان يصل الى اطراف افريقيا العربية ، وما من احد بمأمن من خبث الكاميرات وهي ترصد مشاهد تقطيع الرؤوس وجزّ الرقاب وتحطيم التماثيل ورفع الاعلام السوداء ،واشهار الفتوحات التي تدشن ما يسمى بالدولة الاسلامية والخلافة “القاتلة”.
وبعيداً عن التشخيص الذي ملّت عيون المشاهد العربي وهي تتابع فصوله - بالصوت والصورة - عبر فضائيات استمدت مشروعية استمرارها من رذيلة القتل والفوضى والارباك، فاننا ندفع اليوم ضريبة عقود من الجمود والسكون، ونسدد فواتير باهظة منالاساطير والخرافات ومن التواطئ و الصمت والانانية والخوف، ونقايض - بالاكراه - ما تراكم داخلنا من قمع واسترقاق بما نوعد به من اوهام الاصلاح والحرية، ولكننا دائما كنا نشعر ان هذه المخاضات العسيرة ستنتهي الى تيه جديد، ومسوخات لا يسعدنا ان نراها، واستحقاقات كنا نتصور بأن امتنا تجاوزتها، بعد ان قدم احرارها ارواحهم فدية للخلاص والاستقلال،وها نحن الان نواجه الحقيقة المفزعة، وما تصورنا انه مجرد مخاضات عابرة تمخضت امامنا فولدت عفاريت لا طاقة لنا بصرفها او تفريقها .
لا يعيبنا ان نعترف بأن هذه المرحلة هي مرحلة الاجهاز على امتنا، بعد ان اكتملت خطط التكسير والتدويخ والتفكيك والاستعباد، وان ما تشهده - اليوم - عواصمنا الواحدة بعد الاخرى ليس الاّ النهاية المتوقعة لتلك الارهاصات التي بدأت منذ قرون، ولتلك الآثام التي تواطأنا مع الآخر على ابتلاعها واحاطتها بشتى اوصاف الطهارة، وبكل ما نمتلك من مفردات الانتصار والتقدم والانجاز.
هذه ليست مناسبة لجلد الذات، او اقامة الحسينيات للطم والبكاء، ولكنها - كما نفترض - فرصة للاجابة على سؤال العمل.. ومكاشفة الذات بمواقع الخلل، والصحوة للدفاع عن النفس، والاستعداد لمواجهة الخطر.. وهو اقل ما يمكن ان تفعله الامة الحيّة، إن لم نقل المخلوقات التي تعتز بقيمة وجودها، او تمتلك غريزة حقها بالاستمرار، وفي الصراع من اجل البقاء وعدم الانقراض.
وبقدر ما نستطيع ان نتقمص دور “المحلل” البارد، او ان نضرب على طبلة التيئيس ونعيد وراء الكمبارس ذات الاصوات التي تريدنا ان ننسلخ من جلودنا ونتنكر لهويتنا ونكفر بمستقبلنا، فاننا نستطيع - وبما هو اقوى - ان نرفع صوتنا لاخراج امتنا من الجحيم الذي اودعت فيه، وان نعتق اجيالنا من الهوان الذي فرض عليهم، وان نبشر الناس بقدرتنا على الصحوة، ورغبتنا في الحياة، وشوقنا الى التحرر، وبما نمتلكه من دعائم ومقومات، تجعلنا نستحق كل ذلك، ويا ليت ان حركاتنا وزعاماتنا ونخبنا التي انسحبت من العمل واستقالت من منصة التوجيه والتنوير تدرك حجم ما ينتظرنا من كارثة، فتهرع الى ادوارها وتؤدي ما كتب عليها من فرائض وواجبات.
في وقت مضى ، كنا نتندر بمن يسأل عن حكم دم البعوضة فيما كانت دماء المسلمين تسيل في ميادين “الفتنة” بينهم ، وعمن يسأل عن عدد الشياطين التي تقف على حبة الشعير ، فيما كانت “القسطنطينية” تواجه جيوش الروم ، اما اليوم فها نحن نكرر التراجيديا ذاتها ، وما اكثر الاسئلة التي تطرح على مهاداتنا الفكرية والسياسية والاعلامية حول قضايا “ادنى” من ذلك ، فيما تواجه بلداننا سؤال ان تحفظ وجودها وكرامتها ام تظل “ملطشة” للتتار الجدد الذين يقايضونها اليوم على “ماء” وجهها ، بعد ان سقطت في امتحان التطرف والتوحش .. وتحررت من التزاماتها الاخلاقية .. واعتذرت عن دورها تحت مطرقة التخويف وسندان الوعود المغشوشة.
من يستطيع اليوم ان يصرخ في وجوه السياسيين والاعلاميين وعلماء الدين ليذكرهم بما فعلوه على امتداد السنوات الماضية من آثام واخطاء وخطايا: الاعلامي الذي باع ضميره في سوق المزايدات، و السياسي الذي انحاز الى “القمع “ بذريعة الدفاع عن الاوطان ، والعالم الذي لبس جبة “القاتل” بدل ان يتبرأ منه ، من يقول اليوم لكل هؤلاء الذين تبادلوا الادوار او جلسوا متفرجين على الشرفات : انتم مسؤولون عن “الجريمة” التي ارتكبت ضد الامة ، وانتم شركاء في الكارثة التي اعادتنا مئات السنوات الى الوراء.
متى تصحو ضمائرنا ايها السادة لنعترف ان ما فعلناه بانفسنا اسوأ مما فعله الاخرون بنا ،وان امامنا فرصة اخيرة لمواجهة عدوى الانقراض التي تطرق ابواب امتنا وتهدد مصيرها، متى ننفض عن عيوننا غشاوة الاستهبال ونخرج من السجون التى اودعنا فيها عقولنا ، لاننا ان لم نفعل ذلك ستفاجئنا بلا شك النتيجة المحسومة التي يخضع لها كل البشر (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).