عزمي حجرات يكتب:لغة الحوار وخطاب السلام في فكر جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين

صنارة نيوز - 2017-09-05 07:49:02

بقلم الدكتور عزمي حجرات

يعد التواصل والتفاعل فيما بين الثقافات المختلفة أحد الظواهر الإنسانية المتأصلة في جذور التاريخ الإنساني والعولمة على حد سواء، فبقدر ما ساهم التواصل والتفاعل في التقريب ما بين شعوب الأرض وتشجيع الانفتاح على بعضها البعض، بقدر ما تسبب في ظهور النرجسية الثقافية والحضارية والتعصب بأشكاله. ويعد الحوار من أهم أسس الحياة الاجتماعية وضرورة من ضروراتها، فهو وسيلة الإنسان للتعبير عن حاجاته ورغباته وميوله وأحاسيسه ومواقفه ومشكلاته، ولعل من أهم مخرجات الحوار، السلام. حيث يعد السلام أساس الإسلام، ولغته التي يتحدث فيها، فكلاهما يسعيان إلى توفير السكينة والطمأنينة في قلوب الأفراد والمجتمعات. وقد جعل الله السلام تحية المسلم، بحيث لا ينبغي أن يتكلم الإنسان المسلم مع آخر قبل أن يبدأ بكلمة السلام، حيث قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «السلام قبل الكلام» وسبب ذلك أن السلام أمان ولا كلام إلا بعد الأمان وهو اسم من أسماء الله الحسنى. ويعد السلام روح الديانات وغاية الرسالات السماويّة والشرائع الرّبانيّة، فقد أكدت جميع الرسالات السماوية التي بُعث بها الرسل والأنبياء الكرام على معاني السلام والمحبة بين النّاس، وقد جعل الله تعالى الإسلام دين السلام والتعايش، قال تعالى:﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾    [آل عمران:19]

إن ما أسفرت عنه العولمة من تقدم وتقارب وتداخل ثقافي يدعو البشرية بمختلف أجناسها وألوانها وثقافاتها واتجاهاتها إلى العمل معاً من أجل التوصل إلى أسلوب للتعايش والتفاهم مع بعضهم البعض، وحتى يتمكنوا من درء خطر الخلافات، وتحقيق الأمن والاستقرار، وتبادل المنافع في جو ملؤه السلام والاحترام، فلا يكون ذلك إلا باعتماد لغة الحوار أسلوباً للتواصل مع العالم أجمع مع ضرورة الحفاظ على خصوصية الثقافات. كما ولا بد لنا من أن نسعى جاهدين لجعل ثقافة لغة الحوار أساس علاقاتنا سواءً أكان ذلك في المنزل بين أفراد الأسرة أو المدرسة/الجامعة أو المسجد أو القبيلة، والترويج لها في جميع وسائل الإعلام المتاحة

ولعل من أهم الأمور التي شغلت فكر جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين خلال السنوات الماضية، هي كيفية إرساء قواعد ثابتة للحوار والسلام في المجتمعات وبين الأفراد، فقد أكد جلالته على ضرورة تكاتف وتعايش الأردن مع جيرانه وأصدقائه، ودعى بشكل دائم وحثيث إلى ضرورة الوقوف في وجه التطرف والإرهاب. ووقع الأردن، منذ عام 1999، العديد من معاهدات التصدي للإرهاب الدولي، كما يقوم بدور مهم في حل النزاعات على المستوى الدولي، ويشارك بنشاط في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ففي كل عام ترسل الاردن مئات العسكريين الأردنيين إلى القوات الدولية للقيام بالمهمات متعلقة بحفظ السلام في البقاع المضطربة، وفي الاستجابة لدعوات معالجة الأزمات الإنسانية، وفي توفير المساعدات الطارئة لدى حدوث الكوارث الطبيعية.

كما تشكل خطابات السّلام بيئة تحث على الإنتاج والاستثمار، فعندما يسود السّلام بين الدّول والحكومات فإن من شأن ذلك أن ينعكس على الاستثمارات المتبادلة بين الدول، ويحقق الاستقرار والأمان بين الدولتين، والذي ينشأ في المقام الأول من البيئة السلمية والمتفاهمة، بينما تعد الصراعات والحروب أساساً وعاملاً مهماً لتقليل ومنع وجود بنية تحتية للاستثمار بين الدول، ولذلك فيجب أنتسعى الدول بكل ما أوتيت من قوة إلى عقد اتفاقيّات سلام وتعاون مع غيرها من الدّول بهدف تحسين وازدهار الاقتصادي على الصعيدين المحلي والدولي، وزيادة دخلها القومي.

فالهدف الأول من خطابات السلام هو تحقيق التعايش الثقافي بين الأفراد والمجتمعات، والابتعاد عن ورفض الانقسام الثقافي الذي يسبب العديد من المشكلات، وحركات الانفصال والحروب الأهلية وغيرها من التحديات التي قد تؤدي إلى انهيار دولة بما لها، فالتعايش الثقافي يؤكد على حوار الحضارات وليس صراع الحضارات لأن الهدف من الحوار هو المشاركة وتعريف الحضارات والافراد بعضهم البعض وجعلهم يداً واحدة من اجل الرقي في سلم الاقتصاد، والعلاقات المتبادلة، وتحقيق السلام.

وقد سعى الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم وبشكل مستمر إلى اختراق حاجز النار والحرب بالسلام والاعتدال، والتي طبقها من خلال اعتماد لغة الحوار السلمية في شتى المؤتمرات العالمية ودعم مساعي تعزيز الحوار والتفاهم العالمي وإطلاق العديد من المبادرات التي تهدف إلى إبراز أهمية الحوار التسامح أردنياً وإقليمياً وعالمياً، وكانت من هذه المبادرات رسالة عمان و"كلمة سواء" التي قربت المسافات بين المسلمين والمسيحيين و"الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان،" حيث تم اعتماد الأخيرة من قبل الأمم المتحدة في عام 2011 وذلك من أجل تشجيع الناس عموماً، والشباب خصوصاً، على تبني مبادئ التسامح والتعايش النبيلة.

لقد تجلى خطاب السلام في فكر جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين بشكل واضح ودقيق، فقد كان ولا زال جلالته يسعى بكل ما أوتي من قوة الى إرساء قواعد السلام في المنطقة، والتأكيد على أهميتها في كل خطاب يقوم به. ولقد أكد جلالته في خطابه أمام البرلمان الأوروبي على حقيقة رسالة الإسلام الحنيف المتسامح والتعددي، والقائم على المذاهب، والمكرس لمحبة الله، والاقتداء بالنبي محمد، عليه الصلاة والسلام، والداعي لحياة تسودها الفضيلة ومعاملة الآخرين بالإحسان والعدل، والتي تظهر مدى سماحة الدين الإسلامي في علاقاته مع الغير، ودوره في إرساء مبادئ السلام والوئام بين جميع الشعوب على اختلاف دياناتها.

ولعل من أهم الأفكار التي دعى إليها جلالته في خطاباته، وسعى الى ترسيخها هو أن عدم حل الصراعات بالوسائل السياسية والسلمية، وانما بالقوة والعنف، يبعث برسالة خطيرة، ويؤدي إلى تآكل الثقة بالقانون والمجتمع الدولي، ويهدد ركائز السلام العالمي، كما أن هذا الفشل يمنح المتطرفين حجة تساعدهم على حشد الدعم والتأييد، ذلك أنهم يستغلون الظلم والصراع، لتحقيق أهدافهم التي تقضي على السلام والأمن بين الشعوب.